فيما يعتبر كثيرون الانتخابات النيابية معلبة في غالبها وهي نتيجة اتفاقات وتحالفات فوقية، يسعى اللبنانيون بكل قواهم الى جعل الانتخابات البلدية والاختيارية على شاكلة تلك، فيسلمون رقابهم الى الاحزاب التي تتفق في ما بينها على تقاسم الحصص في تأليف اللوائح، آخذة في الاعتبار حجم العائلات المحلية وفاعليتها، فتختار مرشحين من تلك العائلات شرط ان يكون هؤلاء من الأقرب اليها كي لا نقول من الاسماء المدجَّنة .
صحيح ان الناس أحرار في خياراتهم، ولكن صحيح أيضاً ان الاحزاب وبعض المتمولين والفاعلين لا يتركون الناس يمارسون هذه الحرية، فيتحمسون لدعم لوائح معينة، ولا يلبثون ان يندموا على خياراتهم عندما يلاحظون عدم فاعلية ممثليهم في البلدية، وينتقدونهم تكرارا قبل ان يحل موعد جديد لاستحقاق جديد فيقعون في الخطيئة نفسها، في حين ان البعض قرر تسليم نفسه وقراره وحياته الى ولي الامر واستقال من الحرية وأعدم رأيه منذ زمن بعيد.
قد تختلف الانتخابات النيابية عن البلدية، لان دور النائب ليس اسداء الخدمات اليومية وملاحقة المعاملات في الدوائر الحكومية او البحث عن وظيفة كما يحصل غالبا، بل يتعدى ذلك الى حد بعيد على عكس ما يجري في لبنان، لان دور النائب هو التشريع، ومراقبة اداء الحكومة، واذا كان هذا وذاك معطلين بعض الشيء في لبنان، فان على النائب ان يتنبه الى عدم الموافقة على ضرب الصيغة وتفكيك النظام ورهن البلد لخصومه والطامعين به. واذا تمكن النواب من ان يفعلوا ذلك في الايام العصيبة فانهم يكونون قد اتموا بعضا من واجب وطني.
اما الاعضاء البلديون فمهمتهم الحقيقية التنمية وايلاء الناس اهتمامهم اليومي في الخدمات المحلية التي تقدم لهم. ولا يقتصر دور البلديات على انشاء قصور بلدية لا تفيد في شيء، او تزيين مداخل القرى والمدن، والعمل على انشاءات من الباطون، لان الناس يحتاجون اليوم الى نظرة متطورة الى الحياة البلدية. وعلى البلديات ان تقدم مشروعها للناس وبرنامجها للسنوات الست المقبلة، وان تسعى الى دعم الاندية والجمعيات القائمة في نطاقها، وتشجيعها على الانخراط في الورشة البلدية كلها، وان تسعى مع المدارس والجامعات الى الاضطلاع بدورها الانمائي، فلا يقتصر عملها على الجانبين التربوي والتجاري، دونما انغماس في حياة المجتمع المضيف.
الانتخابات البلدية فرصة قريبة للبدء بالتغيير والتحرر من رواسب الماضي. ولا تهدف حملة “حرر فكرك” التي اطلقتها “النهار” قبل مدة الى انقلاب أو ثورة، بل الى دفع التغيير لمصلحة لبنان الوطن، ولمصلحة المواطن. ليست دعوة الى رفض التفاهم والتحالفات، ونسف الحصص المذهبية والعائلية المتمكنة من المجتمع اللبناني، لكنها دعوة لان تقدم الاحزاب والمذاهب والعائلات الأكثر كفاية لديها، والاقدر على العمل والمتابعة، والاسهل في التعامل والتواصل، وذوي الافكار الخلاقة والمبدعة. عندها يمكن اطلاق عملية التغيير، واطلاق التنمية وتقدم المجتمع من دون التسابق على تسجيل فوز سخيف لهذا الحزب أو ذاك الزعيم. الاولوية للمجتمع المحلي وليست للزعيم. الاولوية لمصالح الناس، وعليهم ان يحافظوا عليها لكي يستحقوا الحياة الفضلى.