IMLebanon

أيها اللبنانيون.. هذه حكومتكم من الداخل!

الجلسات الوزارية: نميمة وتسريب.. غرائب ومواهب

أيها اللبنانيون.. هذه حكومتكم من الداخل!

إذا كانت الحكومة تواجه تحديات تبدأ من خطر «داعش» و«النصرة» ولا تنتهي عند الأزمات السياسية والاجتماعية، فإن التحدي الاصعب الذي يختبر تماسكها كل أسبوع يأتي من داخلها، بفعل التعايش الصعب بين مكوناتها، بل بين رؤساء الجمهوريات اللبنانية الصغيرة، الذين تجمعهم الطاولة في قاعة مجلس الوزراء ويفرقهم كل شيء آخر.

يختلف الوزراء على تعيين عمال تنظيفات في هذه الوزارة أو تلك، بقدر ما يختلفون على كيفية مقاربة الازمة السورية وملف النازحين والموقف من التحالف الدولي ضد الارهاب ومن عمليات المقاومة في مزارع شبعا!

وما زاد الحساسيات تفاقما، هو حلول الحكومة مكان رئيس الجمهورية ووراثتها لدوره، بعد شغور موقعه، ما أدى الى انتفاخ في الأحجام والأوزان، خصوصا ان أي مرسوم أو قرار لا يمكن ان يمر، من دون توقيع الوزراء جميعا، وبالتالي يكفي ان يعترض أحدهم، كي تتوقف محركات السلطة التنفيذية.

ويُسجل لـ«ضابط الإيقاع» الرئيس تمام سلام انه نجح حتى الآن في إدارة حقل الالغام هذا، بأقل الخسائر الممكنة، مستخدما كل أنواع «الإسفنج السياسي» لامتصاص حرارة جسم الحكومة وانفعالات أعضائها، وهو الذي يتقن إمساك العصا من الوسط، محتفظا في الوقت ذاته بحقه في التلويح بها، إذا اقتضى الامر.

ومن أصعب الجلسات هي تلك التي تدوم وقتا طويلا، كما حصل في الجلسة ما قبل السابقة، والتي استغرقت قرابة 8 ساعات، كانت كافية لمعالجة الخلاف بين الكوريتين، كما يقول أحد الوزراء، لكن تبين انها لا تكفي لتسوية خلاف بين وزيرين!

ويروي الوزير ـ الشاهد ان قاعة انعقاد الجلسات تصبح في أحيان كثيرة أشبه بـ«حديقة الصنائع»، إذ ان العديد من الوزراء الذين يتسرب اليهم الملل أو التوتر يتركون مقاعدهم، ثم يروحون ويجيئون ذهابا وإيابا، وبعضهم يؤدي حركات جسمانية للتحايل على آثار الجلوس لفترة طويلة، فيما اختار أحدهم مرةً ان يجلس في زاوية بعيدة، وعندما سئل عن السبب أجاب: من هنا.. أستطيع أن أرى الصورة بمجملها.

وغالبا ما يتوسع النقاش و«يشرد»، بحيث يبدأ من مكان وينتهي في مكان آخر، لا علاقة له بنقطة الانطلاق، على قاعدة «من هالك الى مالك الى قابض الأرواح». ويحصل أحيانا ان صياغة جملة أو موقف تتطلب بحثا مطولا «يفيض» عن الطاولة، ليتمدد في اتجاه القاعة الجانبية المخصصة للاستراحة وتناول المأكولات والمرطبات.

هناك، يلتقي الوزراء «المتسربون» في حلقات ضيقة، إما لـ«السولفة» أو للنميمة على وزير، أو لابتكار تسويات تدوّر زوايا الخلافات. وكم من مرة عاد وزير من الغرفة المجاورة الى القاعة الرئيسية، مبشرا زملاءه: وجدنا الحل.

ويُنظر الى الوزيرين محمد فنيش ووائل ابو فاعور باعتبارهما متخصصين في تدوير الزوايا ولملمة الخلافات عند احتدامها واستقطاب الآخرين الى منتصف الطريق.

والمفارقة، ان الخلافات في مجلس الوزراء تخرج عن نمطيتها التقليدية القائمة على أساس الفرز المعتاد بين «8 و14 آذار»، إذ تُسجل أيضا تباينات داخل الصف الواحد، كأن يقع سجال بين الحليفين الياس بو صعب وحسين الحاج حسن، أو كأن يعترض نهاد المشنوق على «اجتهاد» صادر عن زميليه في كتلة «المستقبل» ميشال فرعون ونبيل دو فريج، ما يؤشر الى ضعف التنسيق في قلب معسكري الحكومة.

ويأتي أغلب الوزراء الى اجتماعات الحكومة «مدججين» بأوراق تتضمن توجيهات الجهات السياسية التي يمثلونها وموقفها من الأمور المطروحة. واللافت للانتباه، ان تحضير «الفروض» يكون في أفضل مستوياته عندما يتعلق الامر بتفنيد مشاريع الخصوم ودحضها.

وحين يتطور النقاش، يتغير السيناريو المرسوم ويضطر بعض الوزراء الى تجاوز النص، ويحدث ان يتكلم بعضهم على مسافة من الميكروفون الموجود أمامه، فيطلب الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل البوجي من الوزير المعني ان يقترب ويكرر كلامه، حتى يصل الصوت بوضوح، لكن سرعان ما يتبين انه نسي ما قاله قبل لحظات، أو أدلى بغيره.

وإذا كان البوجي يحرص على ان يبقى معظم الوزراء قريبين من الميكروفون، فإن لهذه القاعدة استثناء هو الوزير المشنوق الذي يتمتع بصوت جهوري، تهتز له أركان القاعة، ما يدفع البوجي الى مخاطبته بالقول: معالي الوزير.. ارجع شوي لورا.

ومن قلب مجلس الوزراء يتم تسريب الأخبار العاجلة الى وسائل الإعلام، إذ «ينسل» الوزير الراغب في التسريب الى القاعة المجاورة ويبعث منها رسالة نصية الى خارج السرايا، حيث تدور دورة كاملة، قبل ان تعود الى الداخل وتتوزع «خبرا» على هواتف الوزراء، بمن فيهم «المرسل»، ورئيس الحكومة الذي يسارع الى رفع الصوت، قائلا: أقفلوا باب القاعة الجانبية.

ويتدخل سلام كذلك عندما ترصد «راداراته» تجمعا «مريبا» لوزراء يتهامسون في ما بينهم، فينادي البوجي ويطلب منه ان يدعوهم للعودة الى مقاعدهم.

وخلال النقاشات، يحرص وزير الدفاع «الجنرال» سمير مقبل من حين الى آخر على كسر الروتين، عبر تعمده الاستماع الى آراء بعض زملائه وقوفا، حيث يبدو كـ«الصقر» الذي يراقب من فوق، فاتحا باب الاجتهاد في تفسير ملامحه وما إذا كانت تعكس ثناء أو اعتراضا على ما يسمعه، فيما يشتهر الوزير رشيد درباس بمداخلات لا تخلو من السجع اللغوي.

وأيا كان المناخ السائد في مجلس الوزراء، لا يتهاون الوزيران علي حسن خليل وجبران باسيل في تدوين محاضر الجلسات على دفاتر صغيرة، حتى بات كلاهما «مرجعا» للارشيف الحكومي الموثق والموثوق.

وبرغم كل المفارقات، يعتبر أحد الوزراء ان هذه الحكومة التي تجمع التناقضات تشكل حافزا لـ«الرياضة الذهنية»، لأنها تفرض على الجميع التفتيش عن معادلات لملاقاة الخصم في منتصف الطريق، ما دام هناك قرار كبير بعدم فرط هذه التركيبة الائتلافية، حتى إشعار آخر.