في الأزمات تتوحَّد الرجالات، فكيف إذا كانت هذه الأزمات بحجم المصائب؟
في الأزمات يُستعانُ برجالات الدولة، فإذا كانوا بعيدين نُقرِّبهم.
في الأزمات، من الظلم البقاء في أداء أنا أو لا أحد، فكم من رجل دولة يملك من الخبرة والحنكة والإيمان والقدرة ما يُمكِّنه أن يكون ملهِماً للإنقاذ، إذا لم يكن هو الإنقاذ.
***
حين وقعت أحداث 11 أيلول في نيويورك شاهدنا الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش محاطاً برؤساء أميركا السابقين ونواب الرؤساء السابقين ووزراء الخارجية السابقين. كان المشهد معبِّراً، وبدت الولايات المتحدة الأميركية، الدولة العظمى في العالم، موحَّدة وراء قادتها، مَن كانوا حاليين ومَن كانوا سابقين.
***
في فرنسا، حين وقعت الحوادث فيها، شاهدنا الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في الأليزيه جنباً إلى جنب مع الرئيس الحالي فرنسوا هولاند، بالإضافة إلى رؤساء جمهوريات وحكومات سابقين.
إنها دولٌ تحترم رجالاتها وتحاول قدر المستطاع الإفادة من خبراتهم لأنهم يتحوّلون مع تراكم هذه الخبرات إلى حكماء الدولة والجمهورية.
***
أين نحن في لبنان من هذه الثقافة، ثقافة الإستعانة بالرجالات والحكماء؟
إذا كانت أزمة النفايات قد دفعت المسؤولين إلى إحاطة أنفسهم بجيوشٍ من الخبراء، أو ممن يُسمُّون أنفسهم خبراء في البيئة، ألا يجدر بهؤلاء المسؤولين، في الأزمات السياسية المتمادية والمتصاعدة، والتي هي أخطر وأعمق من أزمة النفايات، أن يستعينوا برجالات الدولة ممن يملكون عشرات الأعوام من العمل مع الناس وبين الناس، وفي حياكة مشاريع واقتراحات القوانين من أجل دولة المؤسسات؟
أين الإستعانة، على سبيل المثال لا الحصر برجالات سياسة ومال وقانون، تأخذ مشورتهم منظمات دولية عالمية عريقة، فيما أوطانهم تنساهم؟
قيل لا كرامة لنبيٍّ في وطنه فلماذا أيضاً لا إقرار بقدرة رجل الدولة في وطنه؟
من داخل هذا السياق يُستَحضَر دولة نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس:
فإذا كان الموضوع موضوع إنماء، فمَن أجدر من دولة نائب الرئيس فارس الذي أعطى عكار المعنى الحقيقي للإنماء، فلم يتعاطَ معها كمنطقة إنتخابية بل كمنطقة محرومة كانت له اليد الفضلى في المساهمة في رفع الحرمان عنها.
وإذا كان الموضوع موضوع تشريع ومقترحات ومشاريع ولِجان تُدرس وتُعد، فمَن أولى من دولة نائب الرئيس عصام فارس الذي أفنى عقداً من الأعوام في ترؤس لجان كلَّفته بها مجالس الوزراء المتعاقبة؟
حوَّل مكاتبه الخاصة إلى مقرٍّ لنيابة رئاسة الحكومة كما إلى مقرٍّ لإجتماعات تلك اللجان.
وإذا كان الموضوع موضوعَ دبلوماسية، فمَن أجدر به في تحمُّل هذه المسؤولية؟
ألم يُسخِّر طاقاته سابقاً بين الأمم المتحدة ومجلس الأمن والفاتيكان وواشنطن وغيرها من المقرات الدولية والعواصم العالمية؟
مثل هذا الرجل الدولة، أين المسؤولون لا يُقدِمون على أخذ مشورته والإستعانة بخبراته؟
لقد وضع رئيس الحكومة تمام سلام الوزير المستعفي محمد المشنوق، إلى جانبه، فماذا جنى غير الويلات السياسية؟
ماذا كان يضير رئيس الحكومة سلام لو رفع سمَّاعة الهاتف وتحدَّث إلى رجل دولة كعصام فارس؟
والأمر عينه ينطبق على الرئيس نبيه بري الذي يعرف فارس جيداً، محاوراً لبقاً وحازماً وحاسماً.
***
دولة نائب الرئيس، نستميحك عذراً…
مسؤولونا لا يعرفون قيمة الإستعانة من رجل دولة أمثالكم.