Site icon IMLebanon

حضرة الأمينة العامّة

في لبنان تصيبنا صفة «الأمين العام» بالهمّ والغمّ، منذ تربع حسن نصرالله على رأس حزبه وبرتبة «أمين عام» هذا اللقب حبكة الغم والنكد «منّو وفيه»، ولكن هذه المرّة الأمر مختلف كثيراً، وجدنا أنفسنا قبل أيام ـ وإن طغت عليها «الغطسة» السياسية بعد تبني الرئيس الحريري ترشيح العماد ميشال عون رئيساً للبلاد، فلم يُسلّط الضوء على الحدث المعرابي المتقدّم جداً في الحال الحزبيّة، فأن تكون إمرأة على رأس الأمانة العامة للحزب، هذا لوحده حدث لبناني عربي كبير يستحقّ تسليط الضوء عليه بما يستحقّ.

طرحتُ على نفسي سؤالاً بسيطاً عندما قرأت في السيرة الذاتية للدكتورة شانتال سركيس بأنها خلال السنوات السبع الماضية، كانت مستشارة سياسية في مكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان وقبلها كانت مديرة البرامج في المنظمة الدولية للأنظمة الإنتخابية بلبنان والدول العربية IFES، وناشطة ومؤسسة لعدد من الجمعيات، وعملت منذ 2 آب الماضي كمستشارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» للشؤون الإنتخابية والسياسية ـ وهذا عمل أغبطها عليه فالعمل مع سمير جعجع ثروة لا تقدر بثمن ـ وسألتُ نفسي: «أيّ عاقل تكون الأمم المتحدة مركز عمله، وهي جهة قادرة على فتح أبواب كثيرة، وأنّ عملها هذا يخوّلها أن يكون لها دخلٌ «محترم» وضعوا عشرة خطوط تحت دخل محترم، أيّ عاقل يترك كلّ هذا، وحتى ولو كانت حزبيّة تنتمي إلى حزب القوات اللبنانيّة ، لتعمل بفوارق ماديّة بعيدة عمّا كانت تتقاضه في الأمم المتحدّة، ومع هذا لم يحتج الأمر إلى كثير تفكير منها، هذا قرار مرتبط بالقضيّة.

«دائماً كان فكري وعقلي وروحي بالقوات اللبنانية وبالقضية وأعتقد أنه حان الوقت كي أقدم شيئاً للحزب» هذا الكلام لحضرة أمين عام حزب القوات اللبنانيّة يلغي كلّ الأسئلة، ابنة القضيّة، وفي هذا إجابة واضحة، السيدة مؤمنة بقضيتها، لكنّها وفي المقابل وجدت في حزبها قائداً كسمير جعجع يجد في نفسه جرأة تعيين سيّدة في موقع الأمين العام لحزب القوات، وهذا حدثٌ أوّل أكثر جرأة وحسن تقدير ومنح كل ذي حقّ حقّه، فاتخذ القرار ووجدت شانتال سركيس نفسها أمام مسؤوليّة كبرى ومنصب مستحقّ، وللمناسبة يولي عقل سمير جعجع المرأة اللبنانيّة عامّة والقواتيّة خاصّة عناية خاصّة، وهذا الأمر ليس سرّاً عندما سار سمير جعجع باتجاه زنزانته ترك القوات اللبنانيّة أمانة في عنق ستريدا جعجع، كثرٌ أصابهم اختياره بالصدمة، ولكن الأيام اللاحقة أكدّت حسن اختياره ونظرته الصائبة لطاقات ستريدا ومقدرتها على الصمود في وجه نظامين مخابراتيين مجرمين وإرهابيين، والنظامين سقطا وبقيت ستريدا نموذج لكلّ امرأة كتب عليها قدرها السير في طريق النضال…

هذه القيمة للمرأة اللبنانيّة لا تجدها إلا عند «الحكيم»، ولا تجدها إلا في القوات اللبنانيّة، وكثيرات من صبايا ونساء القوات خصوصاً اللواتي اضطهدن ودخلن سجون الوصاية وأرهبن وعذّبن يجدن في الأمينة العامّة لحزب القوات اللبنانيّة المكافأة الأكبر التي تعادل ما قدمنه من تضحيات، وهذا حقّهن في ظلّ مجتمع ذكوري لا يعترف بالقيادة إلا للرّجل!

أتمنى أن يتاح لي في الأيام المقبلة فرصة اللقاء بالأمينة العامّة شانتال سركيس، هذه السيدة ذات السبعة والثلاثين عاماً لديها الكثير لتفعله لحزب القوات وللبنان، ولسيّداته، في لحظة يطغى فيها اليأس على مشاعر اللبنانيين، وجودها في هذا الموقع مصدر فخر لنا، اللبنانيّات بحاجة لأمثال شانتال لتعلّمهم أبجديّة الالتصاق بقضاياهن الكبيرة والصغيرة، عسى أن تكون حضرة الأمينة العامة قنديلاً كبيراً يضيء عتمة اليأس وفقد الثقة عند أجيال كاملة كفرت بلبنان وأحزابه وسياسيّيه وبشعبه أيضاً.