“يا ستّي حياة… قولي لجدّي ياخذني عم يضربوني”
“يا ستّي حياة قولي لجدّي ياخذني عم يضربوني”، بهذه العبارة وبصوت متهدّج لخائفة، استغاثت الطفلة زهراء م. ح، إبنة الثماني سنوات، جدّتها لوالدها حياة، عبر رسالة صوتية حصلت عليها “نداء الوطن”، لإنقاذها من الضرب الذي تتعرّض له من قبل أمّها وجدّتها بعد وفاة والدها حرقاً أمام عينيها، بحسب ما يذكر أهل والدها.
هذا التسجيل الصوتي كان كافياً لدفع ذويه للمطالبة بفتح التحقيق والادّعاء امام القضاء، بعد مرور اكثر من شهر على حادثة وفاة ابنهم العريف في الجيش اللبناني أحمد الحاج في تاريخ 5/2/2021 متأثّراً باحتراق كامل جسده، أثناء تصليحه سيارة جاره، لتسجّل الحادثة قضاءً وقدراً، من دون الوقوف عند أسباب احتراق شخص يمتهن الميكانيك، لأنّ حادثة كهذه ليست بسيطة وسهلة. فبحسب العاملين في المهنة، ليس من السهل أن تلتهم النيران شخصاً من رأسه حتى أخمص قدميه وهو في الهواء الطلق، لا في مكان مقفل، بل حوله اشخاص قادرون على مساعدته في إطفاء النيران بشتّى اللوازم والامكانات البدائية.
كما كان لافتاً للاهالي، بحسب الصور والأدلّة، أنّ النيران لم تلتهم السيارة بالكامل بل جزءاً بسيطاً، ما ترك علامات استفهام وتساؤلات. فكيف اذا كان بجواره ما لا يقلّ عن خمسة اشخاص لا يبعدون عنه ثلاثة امتار، من دون أن يقدّموا سبباً مقنعاً لعدم تغلّبهم على النار التي التهمته.
وفي تفاصيل الحادثة بحسب مصادر التحقيق، أنّ العريف الحاج، وخلال وجوده في المنزل، طلب منه جاره في المبنى الذي يقطنه في جدرا، والمدعو (ع. ه) وهو مؤهّل في الجيش، أن يصلّح له عطلاً طرأ على سيارته نوع جيب، ولم تنتظر زوجته ووالدتها لأن يكمل طعامه، بل الحّتا عليه بشدّة لتلبية طلب جاره، وأعطته زوجته سندويشاً وعصيراً خلال إصلاحه العطل، ولدى انتهائه من تناول طعامه عاد الى العمل تحت الجيب وفجأة اشتعلت فيه النيران. وبحسب مصادر في التحقيق فإنّ الحريق ناجم من ماس كهربائي في الجيب أدّى الى اشتعال النيران وامتدادها الى احمد.
وما أثار حفيظة ذويه واعتبارهم أنّ ما حدث لإبنهم هو جريمة وليس حادثاً، ودفعهم لأن يتقدموا بدعوى أمام القضاء ضدّ كل من زوجته (ر. ع) ووالدتها (ح. س) ووالدها (ج. ع) وشقيقها (ح. ع) وصاحب السيارة (ع. ه) واعتبار ما حصل جريمة مع سبق الإصرار والترصّد، هو الرسالة الصوتية من الطفلة التي تستغيث فيها وتروي في رسائل أخرى مشاهد لحظات الحريق.
وبعد تساؤلات عن سبب وفاة شخص يمتهن الميكانيك في قسم الصيانة في الجيش اللبناني احتراقاً، واعتبار ما حدث قضاء وقدراً، هو ان الحادثة وقعت أثناء اصلاحه جيب جاره في المبنى، من دون أن يتأذّى الجيب من الحريق، فيما احترق هو بالكامل أمام طفلته وعدد من الاشخاص.
يرفض اهل الحاج إقفال الملف على قاعدة ان الحادثة وقعت قضاء وقدراً، ويسألون عن سبب عدم الأخذ بأقوالهم، كذلك عن عدم وضع المحققين فرضية استدراج ابنهم لإصلاح السيارة، لتكشف الطفلة أنّ أمّها وجدّتها كانتا موجودتين أثناء احتراق والدها، وأن النيران شبّت فيه عندما أشعلت له جدّتها حنان سيجارة، وقالت انّهم لم يحاولوا إطفاء النيران الا بعدما التهمت كامل جسده، حينها تدخّل والد الزوجة طالباً من ابنه إطفاءها بالحرام.
وقالت الفتاة في رسالة صوتية اخرى إنّ امها طلبت منها ومن رفاقها فور عودتهم من الدفن، تنظيف مكان الحريق والعشب الذي “تمرمغ” عليه والدها واحترق ورميه وآثار النيران في “الزبالة”.
واتّصلت “نداء الوطن” بزوجة المتوفّي روان عطية للوقوف عند ملابسات الحادثة واستغاثة الفتاة، فأكّدت أنّ لديها حقّ حضانة الطفلة، وقالت: “أربّي بنتي أحسن تربية، وما تقوله الطفلة هو نتيجة ما يعلّمه لها بيت جدّها”، وأكّدت أن الفتاة عندها منذ شهر. وعن اتهامها بأنّها شريكة ومسبّبة بحرق زوجها أجابت: “ليس عندي ما أقوله الا بإذن من القضاء والتحقيق العسكري”، ورفضت الحديث.
زهراء تملك السرّ
في المقابل، ناشد عمّ المتوفّي كرم الحاج عبر “نداء الوطن” القضاءين المدني والعسكري والشرطة العسكرية حماية الطفلة زهراء والاستماع الى إفادتها، “لأنها هي التي تملك سرّ مقتل والدها حرقاً أمام عينيها”، وأوضح أنّ الفتاة واخاها (سنة ونصف) هما عند والدتهما منذ وفاة والدهما منعاً من مواجهة أهل أبيهما، حتّى أنّ جدّتهما لأبيهما قصدت منزلهما فرفضت امّهما استقبالها ومنعتها من الدخول ومشاهدة الطفلين، وتابع: “إنّ التحقيق الذي تمّ لم يكن جدّياً وكافياً للوصول الى الاسباب لأن تشبّ النار بابن أخي”، ولفت الى أنه كان عسكرياً “وأعرف كيف تكون الجدّية في التحقيقات وعدم الجدّية”، ليردف “كان يفترض أن يتم استدعاء أمّه وأبيه لمعرفة ما اذا كانت هناك مشاكل بين ابنهم وزوجته وأهلها، سابقاً وصلت الى أنّ أخيها حسن هدّده بالقتل”.
وتابع متسائلاً بتأفّف: “كيف يعقل أن يحترق والجيب الذي كان يصلحه لم يحترق؟ ولماذا تمّ سحبه من مسرح الجريمة وإخفاؤه عن العيون؟ ولماذا تمّ تنظيف المكان الذي احترق فيه بهذه السرعة”؟ ليستكمل سؤاله: “اين صاحب الجيب الذي ألحّ عليه واستدرجه لتصليحه امام المنزل، وشاهد احتراق ابننا”؟… وختم متوجّهاً الى القضاء بالقول “نحن نؤمن أنّ الدولة هي ملاذنا، ولكن لا تجبرونا لأن نأخذ حقّنا بأيدينا”، وحذّر من لفلفة القضية.