مات رستم غزالي على فترة امتدت عشر سنوات. مات بالتقسيط غير المريح، وثمة مَن يقول بالتقسيط المريع. مات يوم خرجت القوات السورية من لبنان على دمّ رفيق الحريري ورفاقه.
مات قبل عقد، بعدما أدّى الدور المطلوب منه في مرحلة معيّنة وظروف محدّدة. كان دوره محصوراً وقتذاك بتأكيد أن هناك مرجعية سورية جديدة بالنسبة إلى اللبنانيين ولبنان. إنّها المرجعية التي أتت بإميل لحّود رئيساً للجمهورية في العام . كان مطلوباً مكافأة إميل لحّود على منعه محاولة جدّية لنشر الجيش في جنوب لبنان تمهيداً للانسحاب الإسرائيلي الذي كان مطروحاً بشكل جدّي ومنظّم في تلك المرحلة تنفيذاً للقرار الرقم .
هذه المرجعية السورية الجديدة تختلف تماماً عن تلك التي كانت معتمدة سابقاً، قبل أن يحلّ بشّار الأسد مكان والده بشكل تدريجي وصولاً إلى خلافته في منتصف العام ألفين.
تأكيد وجود تلك المرجعية الجديدة، المعادية لرفيق الحريري، أعطى في السنة ، معنى لحلول رستم غزالي، السنّي الآتي من الريف، مكان غازي كنعان العلوي، المنتمي إلى عائلة معروفة.
لم يكن رستم، بحد ذاته، يوماً شخصاً مهمّاً. قصته تختزل قصص عشرات الضبّاط السنّة، الآتين من خلفية اجتماعية متواضعة. على هؤلاء أن يظهروا يومياً مدى ولائهم للنظام العلوي ومدى الاستعداد للذهاب بعيداً في ممارسة كلّ أنواع القمع والمزايدة من أجل إثبات أنّهم يستأهلون الثقة التي وُضعت فيهم.
كانت المرحلة التي حلّ فيها رستم غزالي مكان غازي كنعان، مرحلة الضغط على رفيق الحريري والتضييق عليه، بطلب مباشر من بشّار الأسد. بدأ بشّار منذ ما قبل توليه الرئاسة، أي منذ راحت الحال الصحّية لوالده تتدهور في العام ، يركّز على خطّ سياسي جديد تجاه لبنان خصوصاً والعرب عموماً. فحوى هذا الخط الاستسلام كلّياً لإيران ولـ»حزب الله» بدل اعتماد نوع من التوازن بين ما هو عربي وغير عربي في المنطقة. فعل ذلك من منطلق علوي، غطاه لاحقاً بزواجه من سنّية بما يتناسب مع مصالح العائلة الحاكمة أوّلاً.
برع حافظ الأسد في اتقان لعبة التوازن، خصوصاً بين المملكة العربية السعودية وإيران. على الأرض اللبنانية حرص دائماً على أن يكون «حزب الله» في خدمته كورقة تُستخدم في منع بناء مؤسسات الدولة اللبنانية وتستنزف الجنوب اللبناني وأهله. كان خوف الأسد الأب من عودة الدولة اللبنانية القوية المعافاة ومن غياب القدرة على إبقاء جرح الجنوب اللبناني جرحاً نازفاً يعوّض عن التفاهم الضمني مع إسرائيل. هذا التفاهم الذي رعاه هنري كيسينجر والذي أغلق جبهة الجولان في العام .
تكمن الأهمّية الوحيدة لرستم غزالي في أنّه تعبير عن مرحلة، من صنع غيره، لعب فيها الدور المطلوب منه. من ضابط صغير جاء إلى لبنان وكان ثمنه «غروس مارلبورو» (عشر علب مارلبورو)، إلى وصيّ على البلد لا تكفيه ملايين «بنك المدينة» الذي طلب بشّار الأسد من الشهيد رفيق الحريري في الشهر الأخير من السنة ، بلغة تهديدية، عدم الإشارة إلى فضائحه في وسائل الإعلام التابعة له.
يروي صعود رستم غزالي قصة الضابط السنّي المصرّ على تسلّق السلّم في نظام علوي أساساً صار مع بشّار الأسد نظاماً عائلياً أيضاً.
يختصر هذا الصعود مأساة سوريا بكلّ أبعادها. فبعد الخروج العسكري والأمني من لبنان، صار رستم مضطراً إلى تلقي الضربة تلو الأخرى، خصوصاً أنّه امتلك مالاً، كما بات يعرف الكثير عن لبنان والفضائح السورية فيه وعن المراحل التي مرّ بها الإعداد لاغتيال رفيق الحريري.
من الصعب الجزم بأن رستم كان يعرف التفاصيل الدقيقة للإعداد للجريمة، ذلك أن مثل هذه التفاصيل، المتعلّقة بقرار في حجم كبير، تبقى ضمن دائرة ضيقة جداً في دمشق وطهران. لكن الأكيد أنّه كان في أجوائها، مثله مثل كثيرين آخرين في لبنان وسوريا يعرفون عن نفسية بشّار الأسد وذهنيته وعن المشروع التوسّعي الإيراني. هذا المشروع الذي وجد في الاحتلال الأميركي للعراق فرصة لانطلاقة جديدة في كلّ الاتجاهات، خصوصاً في سوريا ولبنان.
مات رستم موتاً بطيئاً دام عشر سنوات. عرف أنّه انتهى في السادس والعشرين من نيسان ، يوم غادر آخر جندي سوري الأراضي اللبنانية. في سوريا، عاد رستم ضابطاً سنّياً لا أكثر، أي ضابطاً من الدرجة الثانية عليه أن يحظى يومياً برضا مسؤوله العلوي، على الرغم من الثروة التي جمعها.
لم تعد لديه مهمّة يستطيع تأديتها غير إظهار الولاء. والولاء يعني أوّل ما يعني ممارسة كلّ ما أمكن من وحشية مع أهل منطقته الثائرين على النظام منذ ما يزيد على أربع سنوات.
هل من عقاب أكبر من هذا العقاب الذي لا يليق سوى بمن على شاكلة هذا النوع من الضبّاط، العديمي الثقافة والأخلاق، الذين ارتضوا، بسبب الحاجة أوّلاً، أن يكونوا جنوداً في جيش تحكمه ذهنية حلف الأقلّيات؟.