مرة جديدة يدفع اللبنانيون حياتهم ثمن صراعات يظن البعض أنها العملية أو الطريقة الأجدى والأنسب لإخراج هذا البلد من دائرة الاستهدافات المتلاحقة، وهذا ما ينقسم حوله اللبنانيون بين مؤيد يرى أنه عن طريق «الجهاد« خارج حدود الوطن يمكن منع وصول الإرهاب اليه، وبين معارض يعتبر أن هذا «الجهاد» كان كفيلاً بوضع البلد كلّه في عين عاصفة الإرهاب وأن الخلاص منه لا يتم إلا بعودة أبناء الوطن الى وطنهم.
سرت بالأمس تسريبات إعلامية تحدثت عن قرار أصدره «حزب الله» قضى بموجبه بمنع جمهوره من زيارة العتبات المقدسة سواء في سوريا أو العراق براً وذلك عقب استهداف حافلة ركاب بتفجير في دمشق تبنته «جبهة النصرة» أدى الى استشهاد ستة لبنانيين وجرح 22، واللافت أن أي بيان رسمي لم يصدر عن الحزب في هذا الشأن، ما يعيد الى الأذهان قضية مخطوفي أعزاز إضافة الى التفجير الذي استهدف منذ فترة حافلة زوار لبنانيين في منطقة الرمادي العراقية وذهب ضحيته ثلاثة شهداء وعشرة جرحى.
العابرون من لبنان الى خلف الحدود بقصد الزيارات ذات الطابع الديني والعقائدي هو حق تكفله الشرائع والقوانين ولا اختلاف حوله لبنانياً لا في الشق الديني ولا السياسي. ولكن في ظل الصراع الحاصل في سوريا الذي يُشكل «حزب الله» جزءاً أساسياً منه إن لم يكن رأس الحربة فيه وفي ظل سيطرة الحزب على جميع المناطق والأحياء التي تنتشر فيها المؤسسات المعنية بتنظيم الزيارات الى العتبات المقدسة، ألم يكن الأجدى منعها أو حتى تنظيمها خصوصاً أن عناصر الحزب التي تنتشر على طول طرق دمشق وتحديداً تلك المؤدية الى أماكن المقامات هي أدرى بواقعها الأمني وبمدى نسبة السيطرة عليها، وهذا ما يُحتم مسؤولية كبرى عن الأرواح البريئة التي تسقط؟
زواّر العتبات المقدسة الذين ينطلقون من لبنان الى سوريا والعراق وصولاً الى إيران هم في تزايد مستمر، لا ضوابط ولا شروط تمنعهم من القيام بتلك الرحلات التي أصبحت تُسمى اليوم بـ»رحلات الموت«، فهناك مضاربات ومغريات من خلال أسعار خيالية بين تلك المؤسسات لاستقطاب العدد الأكبر من الزوّار، وهذا ما يبرز بشكل لافت من خلال «البروشورات» التي توزّع في الضاحية الجنوبية بحيث تجرى المنافسة حول الإقامة ونوعية الفنادق ووجبات الطعام ويُضاف اليها زيارات أماكن أثرية من دون التأكد في أحيان كثيرة مما إذا كانت هذه المناطق تتعرض لقصف أو مدى وقوعها تحت سيطرة «حزب الله» وحلفائه، وهذا ما يخلق عادة بحسب بعض الزوّار إرباكاً وانعكاسات سلبية لا تكون في الحسبان.
الدعوات السابقة التي أعلنها كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لم تلقَ طريقها نحو التنفيذ بشكل حازم، لأسباب لها علاقة بالمحسوبيات، فهناك العديد من الحملات في الضاحية والجنوب والبقاع تعود لأشخاص ينتمون الى الحزب أو الى حركة «أمل» إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تولّي أقرباء لهم إدارة الحملة أو قيادة الحافلة بهدف حرف الأنظار عنهم لأسباب تتعلق بطبيعة عملهم التنظيمي تماماً كما حصل مع صاحب حافلة كان جرى اختطافها في سوريا يومها علمت الجهة الخاطفة أهمية هذا الشخص الحزبية.
كثيرة هي الأسئلة التي ترسم علامات الاستفهام التي ترتسم حول إصرار بعض هذه المؤسسات على تسيير رحلاتها بشكل يومي رغم المخاطر التي تتهددها. هنا يكشف سائق إحدى الحافلات بعض الأمور التي تُتبع في عملية السفر براً، فيقول: هناك اتصالات تجرى قبل وأثناء موعد انطلاق الرحلة بين معظم أصحاب المؤسسة وأشخاص موجودين في سوريا يستعلمون من خلالهم عن أوضاع الطرق والمناطق المحيطة بالمقامات، وقد يحصل أحياناً أن تكون المعلومات خاطئة لأسباب تتعلق بجهل الجهة المتواجدة في سوريا بطبيعة سيطرة هذه الجهة أو تلك على الأرض والتي تتبدل بين يوم وآخر تماماً كما حصل مع حافلة مخطوفي اعزاز«.
استمرار تسيير «رحلات الموت» بحسب معظم سكان الضاحية الجنوبية هو أمر مرهون بـ»حزب الله» وحده ولا علاقة للدولة اللبنانية فيه، إذ يكفي بحسب هؤلاء أن يبرز السائق ترخيصاً من الحزب حتى يُسمح له العبور على أي من الحواجز، وإذا كان «حزب الله» جاداً في توقيف هذه الرحلات أقله في الوقت الحاضر فما عليه إلا أن يُصدر تكليفاً شرعياً يمنع بموجبه السفر براً تماما كما فعل مع عناصره سابقاً يوم كانت تُستهدف آلياتهم على طرق البقاع وفي الداخل السوري.
ووسط سؤال برز داخل قيادة الحزب عن كيفية حصول التفجير الأخير في الحافلة داخل منطقة تعتبر «مستقرة» أمنياً بالنسبة اليه، برز سؤال آخر بين اللبنانيين حول الشبان الذين يتنقلون على متن هذه الحافلات وأعمارهم المتقاربة (سن الشباب) وما إذا كان هدف بعض هذه الرحلات إيصال بعض المنتمين الى «حزب الله» الى سوريا ولو بطرق متعددة.