ملائكة الموت تظلّل الغوطة، في بضعة أيام ثلاثمائة قتيلٍ، فرعون الغوطة يرسل طائرات الموت تحصد الأبرياء، كأنّه فرعون موسى يقتل الأطفال، حتى فرعون موسى كان أرقّ قلباً منه ربما، كان يقتل الأطفال الذكور وكان يقتل عاماً ويترك عاماً، ما يحدث في الغوطة مجزرة إنسانية كبرى، إبادة، محرقة، فاجعة إنسانية، اعتداءات مرعبة كل الكلمات لا تكفي لوصف ما يحدث هناك على مرأى من العالم والعرب!
قبل أيام نقلت وكالة «رويترز» عن مواطنين في دوما قولهم انهم «ينتظرون دورهم في الموت»، لا شيء يقال في هكذا قول، أصعب من الموت انتظار الموت، منظمة العفو الدولية قبل يومين وصفَت ما يرتكبه النظام السوري وحلفاؤه في الغوطة الشرقية، بأنه «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأنها ليست المرة الأولى التي يقف فيها المجتمع الدولي متفرجًا على الانتهاكات التي يرتكبها النظام بحق المدنيين في سورية؛ الأمر الذي أدى إلى إفلاته من العقاب، حتى بات يسقط يوميًا عشرات الضحايا في الغوطة الشرقية»، كلّ صراخ العالم لن يوصل أهل الغوطة الشرقيّة إلى النجاة، الڤيتو الروسي سيجبرهم على انتظار دورهم في الموت!!
أهذه هي الغوطة التي قال عنها الأصمعيّ: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق، ونهر بلخ، ونهر الأبلّة، والتي في معجم البلدان أن أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر الأديب قال: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوّان وجزيرة الأبلّة، وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق»، أهذه الغوطة التي في الأخبار أنّ إبراهيم، عليه السلام، ولد في غوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل قاسيون»، أهذه الغوطة التي ورد ذكرها وصفها الحديث النبوي الشريف بأنها فسطاط المسلمين، فقد جاء في سنن أبو داود، في باب في المَعْقِل من الملاحم: (4298) عن أبي الدَّرداء أن رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلم – قال: «إن فُسْطَاطَ المسلمينَ يومَ المَلحَمَةِ بالغوطةِ. إلى جانب مدينةٍ، يقال لها: دمشقُ مِن خيرِ مدائن الشام»…
أهذه التي خاطب الشاعر البحتري عنها «نهر بردى» وكأنه معها في هذه المرحلة: «إني أرى بردى تفيض عيونه/ بدموعها حزناً على ماضيك/ حق المَلاحة أن تصان وما أرى/ أهليك هذا الحق قد وفّوك»؟!
أهذه هي الغوطة التي تغنّى بها الشعراء، وأحبّها الصالحون، ما نشاهده يدمي العيون قبل القلوب، أطفال الغوطة جثث تحت الدمار أو جرحى سيموتون لأن طائرات فرعون تقصف المستشفيات؟!
كلّ هذا الدمار والقتل يفسّره أمرٌ واحد رغبة النظام في فرض تغيير ديموغرافي جديد يغيّر هويّة الغوطة وأهلها، ومن يشكّ في هذا الأمر ما عليه إلا أن يتأمّل في بيان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين الذي قال انّ «أي اتفاق سياسي بشأن الغوطة الشرقية يجب ألا يتضمن النزوح القسري للمدنيين»، في إشارة إلى رغبة النظام تهجير أهل المنطقة على غرار ما فعله في باقي المناطق السورية، من حمص وداريا والزبداني وحلب»!!
يا أطفال الغوطة سامحوا عجزنا، نحن لا نملك إلا مشاعرنا تحزن عليكم وتدعو لكم بالنجاة واللطف الإلهي بكم، وتدعو لمن استشهدوا منكم بالرحمة، وتدعو على قاتلكم أن يقتله الله، سامحونا لا نجد في رثائكم إلا أبياتاً حزينة رثى بها شاعرها أطفالاً آخرين أبرياء مثلكم قتلتهم الطائرات على أرض غزة.. سامحونا نحن نتفرج كلّ يوم على قتل الطفولة «تلك الطّفولة والبراءة تُظلمُ/ بِيَدِ الجُناة وفوق ذلك تُقتلُ/ كيف الطّفولة بالدّماء تُكلّل/ قتلوكَ غدْراً في الظّلام وغادروا/ فِعْلَ الجبان بظُلْمةٍ يتسلّل/ قتلوكَ عمداً والعروبة تنظر/ وعيونها عن نجدةٍ تتحوّل/ وقَفَتْ كأنّ الطّير فوق رؤوسها/ وقلوبها من خَشيةٍ تتذلّل/ حتّى الدّعاء تجاوزوه تخوّفاً/ لم يذكروا ربّي وليس يُحَوْقلوا» [من قصيدة قتلوا البراءة للشاعر د. وصفي حرب تيلخ].