لا ينصّ الدستور اللبناني أبداً على أنّ هناك ملفّات تسمّى «ملفّ أمن قومي» وأنّ هذه الملفّات يضع رئيس الجمهوريّة يده عليها، بالأمس سمعنا كلاماً قطعياً على لسان ماريو عون عن اللاجئين وملفّهم الذي هو «ملف أمن قومي وهو مسؤولية رئيس الجمهوريّة» ولا تفسير له إلا أنّه إعلان مبطّن لموت اتفاق الطائف، لم نشهد كمّاً هائلاً من الالتفاف على الدستور ومنازعة صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً التي نصّ عليها الدستور اللبناني وقبلها منازعة صلاحيات رئيس الحكومة وتعطيل تشكيل الحكومة 9 أشهر متتالية كما شهدنا ونشهد هذه الأيام، وهذا أمرٌ يُنذر بسوء كبير ينتظر لبنان ما دام الصمت مستمراً تجاه تسديد الضربات للطائف الواحدة تلو الأخرى، والتي بلغت حدّ مصادرة صلاحيات مجلس الوزراء ورئيسه أيضاً!!
واحدة من مميزات الطائف المرتبك في لغته المطاطة في مواقع كثيرة، أن نصوصه شديدة الوضوح فيما يتعلّق بمهام رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة والمسؤوليات المنوطة به، كما هي شديدة الوضوح فيما يتعلّق بالمهمّات المنوطة برئيس مجلس الوزراء وبمجلس الوزراء ومهامه، العبث بالدستور اللبناني ومحاولة قضم هذه الصلاحيّات لن تعيد لبنان إلى ما قبل الطائف، وما هو أخطر من محاولات القضم هذه تجاهلها وغضّ النّظر عنها لأنّ سياسات القضم لا حدّ لها، بل على العكس القضم يقول «هل من مزيد»!
وإذا كان المادة 49 من الدستور نصّت على أنّ رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، فإنّها لم تقصّر في تحديد أنّ «القوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء»، ولا نعتقد أنّ هناك أمن قومي للبنان أهم وأخطر من قرار الحرب والسلم ـ وإن صادره حزب الله لصالح المرشد الإيراني ـ وهو قرار يخضع لمجلس الوزراء، كما تنصّ المادة 65 من الدستور اللبناني بأنّه «تناط السلطة الإجرائیة بمجلس الوزراء. وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة، ومن الصلاحیات التي یمارسها:1 ـ وضع السیاسة العامة للدولة في جمیع المجالات ووضع مشاریع القوانین و المراسیم التنظیمیة واتخاذ القرارات اللازمة لتطبیقها»، فهل هناك أوضح وأبين من تحديد مهام رئاستين شهد لبنان حرباً استمرّت خمسة عشر عاماً انتهت باتفاق الطائف، وليس مقبولاً التفريط به في وقت تشتعل فيه المنطقة من حولنا!
بصرف النظر عن حال «الغش» التي تمارس على اللبنانيّين في موضوع بشار الأسد وإعادته إلى لبنان عبر ملفّ اللاجئين، نودّ أن نطرح سؤالاً واضحاً في هذا الخصوص: ماذا لو رفض لاجئون العودة إلى نظام هربوا من إجرامه بداعي الخوف واحتمالات كبيرة تعرض حياتهم وحياة أطفالهم للخطر فهل سيتم جرّهم وإلقاءهم على الحدود؟ هل ستقف دول العالم متفرّجة على هذا المشهد، في الأساس هل كان بإمكان لبنان عندما استقبل اللاجئين السوريّين أن يقفل الحدود في وجوههم وتركهم في العراء عالقين عند حدوده؟ وإذا كان السؤال الثاني إفتراضي، فإن السؤال الأول جدي جداً وواقعي جداً وهو أمر سيكون منقولاً على الهواء، حدث كتنظيم عودة اللاجئين لن يكون بمنأى عن عدسات كاميرات إعلام العالم!
بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان التحذير الأول الذي أطلقه النائب وليد جنبلاط هو «الحفاظ على الطائف»، كان الاغتيال إنذاراً كبيراً بالأخطار المحدقة بلبنان وباتفاق الطائف، وتلك المخاوف لا تزال قائمة ومستمرّة، وفي التزام الصمت تجاهها تواطؤ على الدستور وتفريط بدماء كلّ الذين سقطوا في الحرب الأهليّة حتى وصلنا إلى الطائف!