الموت يحصد جنرالات وكبار قيادات الحرس الثوري الإيراني، بالأمس نقلت وكالة أنباء فارس خبر مقتل «سجاد طاهراني» وهو أحد قادة فيلق القدس ومستشار قاسم سليماني، وقتل معه الطيار الإيراني «روح الله عمادي باشكلائي» بعد إسقاط طائرتهما خلال المعارك الجارية في حلب… وتضاف إلى الخسارة القاسية أمس لإيران، فقد سبق وأشار تقرير لوكالة انباء فارس بأنه سقط خلال الأيام الاخيرة ثمانية قتلى من القوات الايرانية المتواجدة في سوريا وسقط الاثنين الماضي ثلاثة قتلى من الحرس الثوري الإيراني «دفاعا عن حرم السيدة زينب (س)» كما قالت الوكالة وهم حميد رضا دائي تقي من اصفهان وجبار عراقي من خوزستان وبويا ايزدي من لنجان بمحافظة اصفهان، وخلال اليومين الماضيين قتل أيضاً اثنان من الحرس الثوري هما عبدالله باقري وأمين كريمي من عناصر الحرس الثوري في سوريا…
أصبح «الموت لإيران» عنواناً أصيلاً منذ انكشف تدخلها بشكل رئيسي منذ صيف 2012 حين بدأت كتائب المعارضة تطبق على العاصمة دمشق الأمر الذي استدعى تدخل إيراني مباشر في المشهد الميداني في سوريا، ولكن التدّخل الإيراني أخذ منحىً آخر منذ شباط العام 2015 بعد انهيار سلطتها في العراق مع انهيار مفاجئ للجيش العراقي أدّى إلى تسليم مناطق كثيرة لتنظيم «داعش» وإجبار نوري المالكي على الخروج من السلطة، وبعد هزائم كبرى منيَ بها حزب إيران في لبنان اثر فشله في السيطرة ميدانياً على الأرض السوريّة.
هنا؛ لا بُدّ من التذكير بذاك التصريح الشهير بتاريخ 4 آذار 2015 الذي اعتبر أنّ «سوريا هي المحافظة رقم 35 في إيران» ـ ونشير هنا إلى أن عدد محافظات إيران هو 31 محافظة ـ والتصريح هو لمهدي طائب رئيس مقرّ «عمار» الاستراتيجي الإيراني للحروب الناعمة التابع للحرس الثوري، وسبق لطائب أن صرّح بتلك «الجملة الشهيرة» بتاريخ 14 شباط من العام 2013 أنّ «سقوط دمشق يعني استراتيجيا سقوط طهران»، كما طالب يومها بقوة قوامها 60 ألف مقاتل لدعم نظام الأسد في مواجهة الشعب السوري!!
في 4 حزيران 2015 أعلن مصدر أمني سوري عن وصول سبعة آلاف مقاتل إيراني وعراقي إلى سوريا، كان الخبر أشبه بإعلان دخول إيران الحرب مباشرة بحرسها الثوري، ولكن الحقيقة أن إيران بدأت بذلك قبل حزيران الماضي بكثير عبر «شيعتها» من أفغانستان وباكستان ومن لبنان ومن الخليج العربي أيضاً، وفي 31 أيار 2015 كشفت تقارير عن إرسال إيران نحو 1500 جندي من الحرس الثوري الإيراني إلى الساحل السوري لحماية العلويين بعد حال الرعب التي دبّت في معقل الطائفة الرئيسي مع تقدُّم ثوار إدلب باتجاه المنطقة…
لم يُحدث كلّ هذا الدّخول الإيراني أيّ تغيير في ميدان المعركة، بل تراكمت أعداد قتلى الحرس الثوري الإيراني تماماً مثلما تتراكم أعداد قتلى حزب الله في ثلاجات الموتى، فبحسب إحصائية لوكالة أنباء الأناضول التركية، لقد سقط حوالي 400 قتيل إيراني في سوريا منذ العام 2011، ومن بين القتلى أحصت الوكالة ثمانية جنرالات وقادة ميدانيين أبرزهم على الإطلاق الجنرال «حسين همداني»، القائد العام لقوات الحرس وفيلق القدس في سوريا، الذي قتل في التاسع من الشهر الجاري في معارك حلب أيضاً، «لولا الشهيد همداني لسقطت دمشق وله الفضل بذلك على الشعب السوري وحكومته» هكذا نعى قائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي الجعفري حسين همداني الذي قيل أنّه قُتل أثناء أدائه مهام «استشارية» عسكرية بحلب، وهو أحد أكبر قادة الحرس الثوري الإيراني بسوريا، هذا من دون أن ننسى مقتل الجنرال محمد علي الله دادي مع ستة عسكريين إيرانيين بينهم قياديون، إضافة إلى جهاد عماد مغنية في غارة نفذتها مروحيات إسرائيليّة على موكبه في القنيطرة السورية في 14 كانون الثاني 2015!!
طرح كثيرون السؤال عن سبب ارتفاع عدد القتلى في صفوف الإيرانيين منذ الدخول الروسي كعامل إضافي على الحرب السوريّة، وهذا السؤال ليس دقيقاً، إيران باتت مضطرة للإعلان عن قتلاها خصوصاً عندما يكونون من الرتب العالية، لأنها منذ العام 2011 دأبت على نفي أي وجود عسكري قتالي لها في سوريا وأن دورها استشاري فقط، ومع هذه الحصيلة المرتفعة وفي مقابلة له يوم الاثنين الماضي مع التلفزيون الحكومي الإيراني اعترف الجنرال حسين سلامي نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني أن «القوات الإيرانية متواجدة في ساحات القتال في سوريا»، وبرر سلامي تواجد العسكريين الإيرانيين في الخطوط الأمامية قائلا: «قواتنا متواجدة في ساحات القتال بغية التعرف على الميدان بهدف تقديم المساعدة بشكل أفضل»!!
ويبقى أهم ما قاله الجنرال حسين سلامي في هذه المقابلة هو: «عدد القتلى من قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا ليس بكبير بل يلاحظ بأنه أكثر من قبل»، وأضاف: «عندما بدأ الجيش السوري بإعادة بناء نفسه حظي بمساعدة قوات من العراق وأفغانستان وشيعة باكستان ولبنان»، فشل الحرس الثوري الإيراني في سوريا فشلاً ذريعاً، كما فشلت قبله قيادات وكوادر النخبة في حزب الله الإيراني، الذي صرّح أمينه العام مطلع أيار 2015 في حديث لتلفزيون المنار أنّه: «لو لم نتدخل لسقطت دمشق في أسبوع»، كما فشلت الألوية الشيعية التي حشدتها إيران وحملت أسماء «شيعيّة» شديدة الرمزية، فشلت إيران ببساطة لأنّه على المقلب الآخر الذين يقاتلونها ويقاتلون «مرتزقتها» هم أبناء المناطق السوريّة، وليس أدلّ على فشل حزب الله أكثر من معركة الزبداني، الذين على المقلب الآخر ليسوا مرتزقة بل هم أبناء الشعب السوري، وهم أخبر بأرضهم، وبتطور الدعم الذي يتلقاه الجيش السوري الحرّ وفصائل معتدلة، بعدما باتت الثورة تواجه طائرات الدبّ الروسي جوّاً والقاتل الإيراني أرضاً…
ختاماً بقيت ملاحظة حول عدد محافظات إيران الـ31 وكيف تكون سوريا هي المحافظة 35، ببساطة يأتي كل من العراق ولبنان واليمن ثم سوريا لتكمّل الرقم إلى 35، أفلا يستحقّ كوننا حوّلنا إلى محافظة إيرانية برغم أنفنا أن نقول: «الموت لمشروع إيران في لبنان، الموت لذراعها وحزبها في لبنان، والموت لجنرالاتها وعسكرييها وضباطها في سوريا»؟ بلى.. الأمر يستحقّ.