ليس قليلا ما يشغل بال اللبنانيين، حكاما ومحكومين: من التحديات الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية الى أمور الماء والكهرباء والنفايات والطرق وكل ما يتعلق بتحسين البنية التحتية. ومن توظيف الفرص الى ردّ المخاطر الداخلية والخارجية. لكن الانشغال يبدو ملحّا بموضوع ضاغط جدا على لبنان والنازحين السوريين. فالقلق يكبر في لبنان المتعب تحت أعباء النزوح، من حيث كان الرهان على مؤتمر بروكسل – ٢ حول مستقبل سوريا والمنطقة لبدء تخفيف الأعباء. ولم يكن اعتراض الرئيس ميشال عون وعدد من الرسميين وغير الرسميين على البيان الصادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سوى اعلان موقف سيادي مرشح لأن يتوسع ويتعمق والعمل بموجبه. لكن المسألة دقيقة وحسّاسة ومعقّدة.
ذلك ان بعض ما تشهده مرحلة ما بعد الانتخابات يوحي ان الموقف من عودة النازحين السوريين الى بلادهم صار من شروط الدخول في الحكومة الجديدة وترتيب جدول الأعمال لها. فالمجتمع الدولي يصرّ على العودة الطوعية الآمنة ويربطها بالتوصل الى تسوية سياسية شاملة في سوريا واعادة الاعمار. وهو يوحي في الوقت نفسه ان التوطين بين الخيارات. والمنطق الذي يطرحه رئيس الجمهورية هو ان العودة الآمنة ممكنة وضرورية قبل التوصل الى التسوية السياسية الشاملة التي قد يطول الطريق اليها. فهناك مناطق صارت آمنة تتجاوز نصف مساحة سوريا. والجدل الدائر هو حول الخطوات التنفيذية: مع من يجب أن يبدأ لبنان التنسيق لتأمين عودة النازحين: مع دمشق أم مع الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة؟ الفريق الذي كان ولا يزال يدعو الى التنسيق والتعاون مع النظام يقابله الفريق الرافض والمصرّ على التعاون مع الأمم المتحدة وحدها لفتح طريق العودة.
لكن الواقع ناطق. عمليات التهجير مستمرة في سوريا، سواء كانت مجرد اجراءات لنقل المسلحين وعائلاتهم الى الشمال ضمن اعتبارات أمنية أو بداية تغيير ديموغرافي حول العاصمة وأماكن حسّاسة. والنازحون حسب قاموسنا هم عمليا لاجئون حسب قاموس الأمم المتحدة ومنظماتها التي سجلتهم من دون اعتراض السلطات اللبنانية. وهم ليسوا جميعا هاربين من عنف الحرب. إذ ان بعضهم معارض وهارب لأسباب سياسية خوفا من القمع. ولا شيء يوحي ان الهاربين لأسباب سياسية مستعدون للعودة ولو توقف القتال ولم تحدث تسوية سياسية، ولا ان النظام مستعد لاعادتهم. والمجال ضيّق للخطأ في قراءة المواقف الأوروبية والأميركية والاقليمية وموقف الأمم المتحدة. إذ هي الحرص على ابقاء النازحين في لبنان والأردن وتركيا أقلّه حتى اشعار آخر.
والسؤال هو: هل نحن في جدال حول الخيار بين بابين مغلقين أمام عودة النازحين؟