سجال التوطين واللاتوطين مرشح لأن يشغلنا طويلاً، بعدما فرض نفسه بشيء من الواقعية وشيء من الخيال. ولا مهرب في الحالين من التوظيف السياسي لمسألة بالغة الحساسية والخطورة. فالخطاب السائد يراوح بين القول إن المجتمع الدولي العاجز عن انهاء حرب سوريا والخائف على أوروبا من تدفق اللاجئين يطلب منا توطين النازحين السوريين وبين الايحاء أن في لبنان من يطلب التوطين لحسابات تتعلق بالديموغرافيا. والكل يعرف أن ما يمنع التوطين ليس النص الدستوري وحده. وما يقود اليه ليس قرار أي طرف، ولا مليارات الدول المانحة بل أن تطول حرب سوريا التي دخلت عامها السادس وتفرض بقاء النازحين كأمر واقع وواجب انساني.
ذلك ان السجال مفتوح على موضوع أوسع هو مصير خرائط المنطقة التي تتعدد التصورات والرهانات على ما ينتهي اليه المشهد فيها. والسؤال المهم الذي يحسم السجال ويشغل السوريين واللبنانيين والجميع هو: متى وكيف تنتهي حرب سوريا؟ فنحن، بالعجز والضعف والانخراط في صراع المحاور الاقليمية وحساب المعادلات بموازين القوى من دون موازين المصالح، نربط قضايانا الداخلية بكل الصراعات الجيوسياسية والمذهبية في المنطقة وخصوصاً بما يحدث في سوريا. لا بل اننا ننتظر ما لا نعرفه من تطورات، وما لا رأي لنا فيه مثل واقع الصراع وتمنيات التفاهم بين السعودية وايران، لكي ننتخب رئيساً للجمهورية. فكيف اذا كان الموضوع هو أوضاع النازحين السوريين في لبنان ومصيرهم في سوريا؟ وكيف اذا كان نصف الشعب السوري نازحاً ويسمع مثلنا أحاديث الفيديرالية والتقسيم ويرى التقاسم كأمر واقع ويحلم بوحدة الأرض والشعب والمؤسسات في نظام ديمقراطي تعددي غير طائفي؟
الواضح في المشهد السوري هو ثلاث صور. أولها صورة النظام الذي كان ولا يزال يعطي الأولوية للحل العسكري. وثانيها صورة المعارضة المعتدلة التي كانت ولا تزال تطلب الحل السياسي بمفاعيل الحل العسكري. وثالثها صورة داعش وجبهة النصرة وبقية التنظيمات السلفية التي ترفض الديمقراطية والدستور والانتخابات وتتفق على اقامة حكم ديني باسم الاسلام، وان تفرد داعش باعلان الخلافة المختلف عليها.
لكن من الصعب الهرب من التجربة. فالحل العسكري مهمة مستحيلة، فوق كون النظام في حاجة عسكرية الى ايران والتنظيمات الحليفة ثم الى روسيا. والمعارضة التي لم تستطع أخذ ما تريد بالخيار العسكري ولا بالخيار السياسي تعرف أنه لا شيء اسمه الحسم السياسي. ولا مكان للتنظيمات السلفية في مستقبل سوريا، وإن كانت تسيطر حالياً على مساحات من الأرض.
ولا حل لمأساة النازحين إلا بإنهاء الحرب. وما يريح لبنان هو الحل السياسي الذي يضمن وحدة سوريا.