كشف السجال الحاد بين الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الداخلية نهاد المشنوق، مع دخول الأول على خط أزمة الأحجام والأدوار بين الثاني ووزير العدل أشرف ريفي في أعقاب قضية فيديو سجن رومية، جانباً من علاقة مأزومة بين الرجلين تعود إلى أيام نفي المشنوق خارج لبنان في التسعينيات بسبب معارضته الوجود السوري، وخلافه مع الرئيس رفيق الحريري وتعرّفه إلى شقيق الرئيس ميقاتي، رجل الأعمال طه ميقاتي الذي حلّ خلافه مع السوريين واصطحبه على متن طائرته إلى دمشق، حيث أُغلقت كل الملفات العالقة قبل أن يعود المشنوق إلى بيروت.
وبعد عودته إلى لبنان، استمر احتضان آل ميقاتي للمشنوق الذي عمل في فريق ميقاتي عندما ترأس حكومته الأولى بعد اغتيال الحريري في 14 شباط 2005، واستمر في عمله هذا نحو سنتين قبل أن يفترق عن ميقاتي ليلتحق بعدها بفريق عمل الرئيس سعد الحريري. واتسع الشقاق بين الرجلين بعدما هاجم المشنوق ميقاتي بقوة إثر تأليفه حكومته الثانية عام 2011 بعد “الانقلاب” على حكومة الحريري، ودعا إلى “إسقاط” ميقاتي في مدينته طرابلس.
أظهر المشنوق ميقاتي وحيداً في مواجهة خصومه لأنه لم ينجح في بلورة مشروع سياسي خاص به
بلع ميقاتي يومها هجوم المشنوق على مضض، قبل أن يخرج من السرايا الحكومية لاحقاً، ممهداً الطريق لمجيء الرئيس تمام سلام بتشكيلة حكومية تسلم فيها المشنوق وزارة الداخلية. هنا بدأت حسابات الرئيس السابق تختلف. إذ يدرك ميقاتي جيّداً أن مجيئه رئيساً للحكومة مرتين، عامي 2005 و2011، كان لاعتباره، داخلياً وخارجياً، شخصية سياسية معتدلة بعيدة عن الاصطفافات السياسية الحادة، ولها تجربتها السياسية، وتحظى بالحدّ الأدنى من قبول القوى السياسية المتنافسة في لبنان والخارج، طالما الحريري موجود خارج لبنان. ولكن، بعد خروجه من الحكومة، باتت هناك أكثر من شخصية سياسية تتمتع بمثل هذه المؤهلات وتشكل منافساً له على موقع رئاسة الحكومة، أبرزها سلام والمشنوق وريفي. وإذا كان الأخير قد سقط سريعاً في امتحان السلطة، فإن سلام والمشنوق كانا يحققان نجاحاً ملحوظاً يعزز من حظوظهما، إما بالبقاء في رئاسة الحكومة بالنسبة لسلام، أو في دخول نادي رؤساء الحكومات بما يخصّ المشنوق.
خلال هذه الفترة، كان ميقاتي لا يتردد في توجيه انتقادات لسلام حول وجوب الحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة، أو للمشنوق كما حصل يوم حضر مسؤول الارتباط في حزب الله وفيق صفا اجتماعاً أمنياً في وزارة الداخلية، قبل أن ينتهي المطاف بـ”فيديو رومية”.
ولكن، لماذا ردّ المشنوق على ميقاتي وحده بهذه الحدّة، رغم أن انتقادات كثيرة طاولته، وخصوصاً من زميله في تيار المستقبل والحكومة أشرف ريفي؟
توضح مصادر سياسية مطلعة أن المشنوق، “بعدما احتوى ريفي بمساعدة من الحريري، قام بالتصويب نحو ميقاتي لاعتبارين: الأول للخروج من مأزقه في الشارع السّني، وهو هنا هاجم ميقاتي أمام جمهور بيروتي يشكل حاضنته وحاضنة تياره الرئيسية؛ والثاني لأنه بذلك يكسب دعماً إضافياً من الحريري، سواء داخل فريقه السياسي أو خارجه، كون الحريري لم يخف منذ “انقلاب” ميقاتي عليه أنه لن يتردد بتصفية حسابه السياسي معه في أي فرصة يراها مناسبة”.
وترى المصادر أن المشنوق “لم يستطع فقط إزعاج ميقاتي، بل نجح في جرّه إلى السجال معه، وأظهر ميقاتي وحيداً في مواجهة خصومه، لأنه لم ينجح في بلورة أي مشروع سياسي خاص به، ولم يقم برغم وصوله إلى رئاسة الحكومة مرتين بتشكيل كتلة سياسية، نيابية أو وزارية، تدافع عنه، على عكس الحريري الذي نجح في إشغال ميقاتي بسجالات مع سياسيين محسوبين عليه، كالمشنوق وريفي، من أجل استنزافه ومحاصرته سياسياً، حتى في مدينته طرابلس”.