IMLebanon

«الشراء العام» جهّزت عقوداً بالتراضي وباستقصاء الأسعار: رفع الأنقاض يسير ببطء

 

 

حتى اللحظة، لا تزال أنقاض المباني المدمرة كلّياً أو جزئياً في الضاحية الجنوبية على الأرض بانتظار رفعها. فالدولة على مستوى الوزارات غائبة تماماً، ولولا تحرّك البلديات في البقاع والجنوب، فضلاً عن اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لفتح الطرقات وتنظيفها، وإزالة الردم جزئياً عبر رميه في حفر الأبنية المدمرة، لبقيت الأنقاض في مكانها مقفلةً الطرقات، رغم عودة غالبية أهالي هذه المناطق إليها. أما الحكومة، فما قامت به لحتى الآن يقتصر على اتخاذ قرارات في مجلس الوزراء ترجمت في الإدارات المعنية على شكل دفتر شروط لتلزيم إزالة الأنقاض وفقاً لآليتين: الأولى اتفاق بالتراضي لتسريع القيام بالأعمال المطلوبة لفتح الطرقات وعودة والنازحين وبدء أعمال الترميم، والثانية مناقصة عامة للمسائل التي تتطلب وقتاً أطول.

في الواقع، تسير عملية إزالة الأنقاض ببطء، فالخطوات الصغيرة التي نفذتها وزارة الأشغال العامة وهيئة الشراء العام ليست كافية لإطلاق العمل بعد. فأعمال رفع الردم تتصل بشكل وثيق مع عملية عودة السكان إلى بيوتهم، وهذا هو المدخل نحو حلحلة واسعة في ملف النزوح. يبدو أن القرار السياسي ليس مستعجلاً، فالحكومة انتظرت 11 يوماً بعد وقف إطلاق النار للطلب من أجهزتها وضع خطط لتحريك عملية رفع الردم، وحتى الآن، مرّ 15 يوماً على وقف إطلاق النار، ولا تزال الجرافات وآليات رفع الأنقاض بعيدة عن أحياء الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب.

 

 

من جهتها، حضّرت هيئة الشراء العام دفاتر شروط للتلزيم وفقاً لصيغتين؛ عقود الاتفاقات بالتراضي، إلى جانب مناقصات أو طلب عروض الأسعار. وستترك الهيئة للجهة الحكومية الملزِّمة حرية الاختيار في طريقة التعاقد مع المتعهّد. وهذه الجهات الحكومية، بحسب نص القرار الحكومي رقم 4، الصادر في 7 كانون الثاني الجاري، هي مجلس الجنوب في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية وأجزاء من البقاع الغربي. والهيئة العليا للإغاثة في بقية المحافظات، ومنها جبل لبنان، حيث الضاحية الجنوبية، ومجلس الإنماء والإعمار المعني بمسح الأضرار ورفعها عن المباني الرسمية والبنى التحية خارج نطاق عمل مجلس الجنوب، ووزارة الأشغال العامة والنقل. وسيعود معيار اختيار صيغة التلزيم لتقدير الجهة، لدرجة السرعة اللازمة في عملية رفع الردم. ففي حال كان الردم سبباً في إقفال طريق، أو قطع خطوط المياه والكهرباء، وبالتالي عرقل عمل بنية تحتية حيوية «يمكن للجهة الملزِّمة عقد اتفاق رضائي مع المتعهد، وهي الصيغة الأسرع في التلزيم»، يقول رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة. أما إن كان يمكن تأجيل الأعمال، فتجرى عملية استدراج عروض أسعار وإجراء مناقصة عمومية التي تحتاج وقتاً أطول للبت بنتيجتها وتلزيمها.

ويشرح العليّة السبب الكامن خلف اختيار صيغة الاتفاقات الرضائية في التلزيم، فيعيد التذكير بالفقرة الثانية من المادة 46 من قانون هيئة الشراء العام. والتي تتيح في حالات الطوارئ والإغاثة من جرّاء وقوع حدث كارثي، استخدام الجهة الشارية الاتفاق الرضائي من دون التقيّد بالمهل، ما سيسمح بتسريع عمليات التلزيم. ويذكّر العليّة أنّ «الردم في بعض المناطق يعيق عملية رفع جثامين الشهداء، بالتالي لا تحتمل العملية أيّ تأجيل».

ووفقاً لدفتر الشروط المعدّ من قبل هيئة الشراء العام، تتنوع الأشغال المطلوب تنفيذها من المتعهدين من أعمال تكسير الباطون، إلى الهدم، والفرز والنقل إلى المكبات المحدّدة وفقاً لمتطلبات وزارة البيئة، وصولاً إلى إجراء أعمال تدعيم مؤقت حيث يلزم. وتفرض الهيئة الدفع للمتعهدين بالليرة اللبنانية عند التسليم، وتضع سقفاً زمنياً سقفه شهر واحد للتسليم، يبدأ احتساب المدّة من تاريخ إعطاء المتعهد أمر مباشرة العمل. وفي حال زادت مدّة تأخير التسليم عن 10 أيام، تطبّق أحكام المادة 33 من قانون هيئة الشراء العام. بمعنى آخر، يعتبر المتعهد ناكلاً، ويفسخ العقد حكماً من دون الحاجة إلى أيّ إنذار. ثمّ يُعاد تلزيم رفع الردم لمتعهد آخر، بحسب الفقرة الرابعة من المادة نفسها.

وفي سياق متصل، رسمت الشروط الواردة في العقد الرضائي شكل الشركات المسموح لها بالمشاركة، إذ استبعدت الشركات الصغيرة بشكل شبه تام وفق ما جاء في المادة 22 من العقد: على الشركة امتلاك 24 آلية ثقيلة على الأقل كي يسمح لها بالمشاركة في العقود الرضائية أو المناقصات. فعلى سبيل المثال، على المتعهد امتلاك 10 شاحنات لنقل الردم أقلّه، سعة الواحدة 20 متراً مكعباً، وصهريج مياه سعة 10 آلاف ليتر، فضلاً عن الحفارات المجهّزة بالجنازير المعروفة بـ«البوكلين»، على أن تكون مجهزة برفوش وأدوات تكسير «جاك هامر»، وطابات من حديد للهدم. ومن أجل تنظيم العمليات، اشترطت هيئة الشراء العام على المتعهدين في المادة 21 من العقد الرضائي، الالتزام بتقديم خطة تفصيلية للجهة الحكومية الملزِّمة. ويذكر في الخطة كل الأعمال التي سيلتزمون القيام بها، سواء رفع الردم، أو التهديم، أو الترميم.

 

المريجة منطقة منكوبة

 

في منطقة المريجة، بالقرب من مبنى البلدية وأوجيرو، حيث اغتيل رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين، تحوّلت المنطقة، بفعل الغارات الصهيونية والأسلحة الخارقة للتحصينات المستخدمة في الاغتيال، إلى بقعة منكوبة. ورغم بقاء عدد من الأبنية واقفة من دون أضرار ظاهرة كبيرة، إلا أن عودة السكان إليها صعبة إن لم تكن مستحيلة، وفقاً لأحد القاطنين في مبنى يقع مقابل مركز أوجيرو لأن الطرقات غير موجودة حرفياً بعدما حوّلتها الصواريخ إلى حفر عميقة من الرمل، تخرقها مجاري الصرف الصحي التي تغرق الشوارع بمياهها الآسنة. وفي عدد من المباني التي يمكن الوصول إليها بطرق أخرى من جهة منطقة برج البراجنة، طلبت الفرق الهندسية من أصحاب الشقق عدم استخدامها، ومغادرتها على الفور «لأنّ الصواريخ الخارقة للتحصينات غيّرت في بنية التربة وخلخلت الأساسات، ما يعني أنّ المباني التي بقيت، ستُهدم لاحقاً»، بحسب أحد المهندسين المشاركين في الكشف الأولي.