كل ما تفعله إدارة الرئيس باراك أوباما في المفاوضات الماراثونية حول البرنامج النووي الإيراني، يمكنها الدفاع عنه في إطار مجموعة الدول الست، خصوصاً السقف الزمني لتجميد طهران النشاطات الحساسة في منشآت التخصيب. بل إن تحديد أوباما فترة السنين العشر يستجيب أيضاً الحاجة إلى استيعاب مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي من الطموحات الإيرانية ذات المسارين: القدرات النووية، وتوسيع مناطق النفوذ الذي أسقط صنعاء أخيراً في قبضة الوصاية «الثورية» الإيرانية.
كل ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في معركة كسب تشدد الكونغرس مع أي اتفاق تبرمه واشنطن في نهاية الماراثون «النووي»، سيجيّره بالتأكيد في معركته الانتخابية. الأهم أن كثيراً منه لا يخالف وقائع يشهدها العالم العربي الممزق الآن بين أمواج الإرهاب، ومدّ الأصابع والأعناق الإيرانية في كل اتجاه، بذريعة إنقاذ كيانات ودول عربية. والأهم كذلك، أن شهادة نتانياهو حول «الترويع والإرهاب والإخضاع» الإيراني للمنطقة، لا تمحو من سجل إسرائيل إرهابها العالم العربي لعقود وارتكابها إبادات وتشريد شعب فلسطين.
«شغب» نتانياهو في ملعب المفاوضات النووية، وفي ربع الساعة الأخير، قبل انتهاء مهلة المفاوضات النووية مع إيران أواخر الشهر، لن يتمكن وحده من تعطيل اتفاق محتمل، وما زال وارداً رغم غضب طهران من الخط الأحمر الذي حدده أوباما، تحت سقف السنين العشر. لكنّ المثير للدهشة أن تقتدي الإدارة الديموقراطية اليوم بسياسة النعامة التي انتهجها صقور المحافظين الجدد، حين سلّموا العراق لإيران على طبق من فضة، وانصرفوا لمكافحة التفجيرات والعمليات الانتحارية التي غذّتها رياح مذهبية تحوّلت عاصفة على امتداد العالم العربي اليوم.
والمضحك فيما كان الكونغرس يقاطع خطاب نتانياهو مرات بالتصفيق وهو يعزف على وتر مشاريع «الحرس الثوري» والهيمنة الإيرانية، أن يبادر مسؤول أميركي إلى إطلاق تعهّد بأن «تواصل» إدارة أوباما «التصدي بحزم لتوسّع إيراني في المنطقة، ولعدائية إيرانية»، أياً تكن نهاية الماراثون النووي.
والدليل على حزم واشنطن ما نشهده اليوم، بدءاً من العراق حيث قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني مستشار على أرض المعركة مع «داعش»، وهو أكثر من ذلك في سورية. والدليل «القاطع» أيضاً على ردع تمدد أصابع طهران، هو إطلالة الحوثيين على البحر الأحمر ليمكّنوا الحليف الإيراني من ورقة ثمينة… في إعادة رسم الخرائط.
أوباما، مع شغب نتانياهو ومن دونه، بطة عرجاء تدرك طهران أن حاجته إلى حسم اتفاق نووي، لا تقل عن حاجتها هي إلى رفع سيف العقوبات عن اقتصادها، وتمويل خزانتها بعائدات نفطية تسخو منها على حلفائها في المنطقة. فهم الذين تعوّل عليهم حين تأتي ساعة التفاوض مع خصم أو منافس في المنطقة، أو تحل ساعة الحرب مع إسرائيل. لكن نتانياهو لن يفعلها، رغم تهديده ووعيده، حين ألبس إسرائيل في خطابه أمام الكونغرس رداء الضحية.
ولأن نهاية الماراثون النووي قريبة، كما يراها الأوروبيون، ولا يمكن طهران أن تهدر الفرصة الذهبية، تتضخم مخاوف العرب من مشاريع الخرائط الجديدة. فأميركا سخية، كما فعلت في العراق، ولكن مَنْ يدفع الثمن؟ وإذا كان النفوذ الإيراني كرّس حضوره، من بغداد إلى دمشق وبيروت وصنعاء، رغم الصراع مع الولايات المتحدة، فعلى أي حال سترسو المنطقة وبراكينها، حين تتحول جمهورية المرشد علي خامنئي حليفاً مميزاً لواشنطن بعد الصفقة النووية؟
وإذا كان بعض ما وراء الصخب الإسرائيلي الآن، المغلّف بالقلق الوجودي من القنبلة النووية، هو هاجس فقدان المركز المحوري في اهتمامات السياسة الخارجية الأميركية، فلدى العرب ما يتجاوز القلق إلى الخوف من تحالف مقبل، بين أصولية إيرانية، وأصولية المحافظين الجدد. فعودة هؤلاء إلى البيت الأبيض تبدو مرجّحة، ليكملوا الحرب على «داعش»، وتصدير ديموقراطيتهم إلى المنطقة… إلى الشرق الأوسط الجديد، بخرابه، وبشراكة إيرانية، عجز العرب عن صدّ شهيتها.