Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب اللامركزية ضرورة

 

يُعاد في كل مرحلة فتح النقاش في كيفية مواجهة مشكلة سلاح «حزب الله»، خصوصا انّ الإشكالية المتعلقة بهذا السلاح ما زالت مستمرة منذ أكثر من 15 عاما، ولا مؤشرات خارجية أو داخلية لحلّ قريب لهذه الإشكالية، فهل من حلّ مرحلي مُتاح بانتظار الحلّ النهائي؟

لا أحد يراهن بأن يُبادر «حزب الله» إلى تسليم سلاحه من تلقاء نفسه، ولا مؤشرات إلى توجّه دولي لتطبيق القرار 1559 بوضعه تحت الفصل السابع، ولا رهان طبعاً على حوار لا يقدِّم ولا يؤخِّر، ما يعني انّ السيناريوهات المتبقية تنحصر في ثلاثة:

السيناريو الأول، رفض اي مشاركة في حكومة يشارك فيها «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، والاشتراط بأن تكون إمّا حكومة أكثرية مؤلفة من المكونات السيادية والتغييرية، وإمّا يتحمّل الحزب والعهد مسؤولية التدهور المتواصل لأوضاع البلد المالية والاقتصادية والمعيشية وصولاً إلى الفراغ الشامل والفوضى الكبرى التي قد تستجلِب تدخلاً خارجياً لحلّ الأزمة اللبنانية.

فإمّا ان يترك «حزب الله» دفة القيادة لغيره من أجل ان يتولى إخراج لبنان من أزمته، وإمّا ان يتحمل مسؤولية إصراره على المشاركة في الحكومة بحجة «حماية ظهر المقاومة»، ولا يستطيع الحزب بذريعة الانهيار ان يُجبر خصومه على الجلوس حول طاولة مجلس الوزراء بشروطه التي تُبقي الأزمة تراوح مكانها، فيما أحد أبرز شروط الخروج من الأزمة كَفّ يد هذا الفريق، لأنه لو كان قادراً على معالجة الانهيار لكانّ فعل، وبالتالي ما عليه سوى الابتعاد عن الحكومة وإلا ان يتحمّل منفرداً مسؤولية الأزمة.

السيناريو الثاني، العودة إلى سياسة ربط النزاع التي بدأت مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وكانت تتقدّم حيناً وتتراجع أحياناً وفقاً لكل رئيس حكومة والتوازنات داخل مجلس الوزراء، وفي هذا السياق قال ديبلوماسي عربي ان على اللبنانيين الاختيار بين ثلاثة نماذج:

النموذج السوري وعنوانه عدم الاستقرار السياسي والأمني والفوضى المفتوحة.

النموذج العراقي وعنوانه الفوضى الدستورية الناجمة عن عدم القدرة على إعادة الانتظام لعمل المؤسسات الدستورية على أثر الانتخابات النيابية الأخيرة.

النموذج اللبناني وعنوانه سياسة ربط النزاع، والخلل في تطبيق هذه السياسة لا يتحملها «حزب الله» الذي من مصلحته التفلُّت من اي سقوف وروابط، إنما تتحملها بعض القوى السيادية ورؤساء الحكومات بالطليعة لجهة التراخي مع الحزب بدلاً من التشدُّد معه في كل تفصيل وبند حكومي وسياسة عامة.

وأضاف الديبلوماسي: يُخطئ الشعب اللبناني في حال اعتقد انّ عواصم القرار ستُسارع إلى إطفاء النيران اللبنانية إذا اندلعت، والدليل سوريا وأوكرانيا، وبالتالي جُلّ ما عليهم فعله هو الحفاظ على الاستقرار مع تطوير سياسة ربط النزاع، خصوصاً بعد الانتخابات النيابية التي أظهَرت تراجع خط «حزب الله» لمصلحة تقدُّم خط القوى الداعمة لمشروع الدولة.

وختم الديبلوماسي: المقاربة الصحيحة دوماً هي العمل وفق طريقة أفضل الممكن في كل مرحلة، اي الابتعاد عن أسوأ الممكن، كما الابتعاد عن التسليم بالأمر الواقع، وبالتالي السعي إلى تحقيق أفضل ما يمكن ربطاً بطبيعة المرحلة وظروفها الداخلية والخارجية.

السيناريو الثالث، تحويل اللامركزية إلى الهدف الأساس في المرحلة المقبلة، وجعلها العنوان الوطني والسياسي والنيابي الأول لثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول لأن حلّ أزمة سلاح «حزب الله» مركزياً ما زال بعيد المنال، وهذا لا يعني التسليم بالسلاح ولا اليأس من إمكانية معالجته في تقاطع داخلي وخارجي لا بدّ انه سيأتي في يوم من الإيام على غرار إخراج الجيش السوري من لبنان، ولكن ما لا يجب التقليل من شأنه هو انّ أزمة السلاح تجاوزت زمنيا مدة الحرب اللبنانية (15 عاما) ومدة بقاء الجيش السوري في لبنان (15 عاما)، حيث ان هذه الإشكالية مستمرة منذ العام 2005 ولا مؤشرات لأفقٍ قريب لحلها.

السبب الثاني لأن تطوير النظام السياسي باتجاه إلغاء الطائفية وإنشاء مجلس شيوخ والمداورة في الرئاسات وغيرها من البنود الإصلاحية تخدم «حزب الله» واستراتيجيته، لأن أي إلغاء لمرتكزات النظام والدولة العميقة يؤدي إلى تحويل لبنان إلى ملعب مفتوح للحزب، فيما هذه المرتكزات تشكل حواجز موضوعية تمنع عليه التمدُّد بالاتّكاء على عاملَي السلاح والديموغرافيا.

وأي مراجعة لأدبيات «حزب الله» تفيد بأنه يسعى لتطوير النظام، إن عبر قانون انتخاب يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة بغية ان يستفيد مما يملكه من فائض أصوات يصبّ باتجاه واحد ويرجِّح له كفة اللائحة التي يدعمها، او من خلال إلغاء الطائفية، لأنه يعتبر ان بنية النظام تشكل العائق الأكبر لتمدُّده. وبالتالي، من الخطيئة تطوير النظام قبل ان يسلِّم الحزب سلاحه للدولة وينخرط في العمل السياسي شأنه شأن غيره من الأحزاب والتيارات السياسية، وقبل هذا الاستحقاق يجب عدم المَس باتفاق الطائف.

ومناسبة هذا الكلام انّ بعض نواب الثورة بدأوا يرفعون شعار تطوير النظام انطلاقاً من حسن نياتهم ومن دون التوقّف عند خطورة هذا الطرح الذي يلبّي أحد مطالب «حزب الله» الأساسية، ولا بد من التذكير في هذا المجال بأنّ المرتكزات الطائفية للنظام السياسي هي التي حالت دون «بَعثنة» لبنان، اي حكمه على طريقة حكم حزب البعث في سوريا، وهذه المرتكزات بالذات ساهمت بشكل فعال في إخراج الجيش السوري من لبنان.

السبب الثالث لأنّ مركزية النظام تسمح لـ«حزب الله» بالتحكُّم بكل مفاصل البلد وتُرهق كل مكوناته، فيما اللامركزية الموسّعة إلى أبعد حدود تؤدي إلى ترييح المكونات والجماعات في نطاق بيئاتها ومناطقها، وتُبعد عنها تأثير الحزب المباشر في كل ما يتصل بالأمور الإدارية والمالية والأمنية المناطقية، وتسمح بتطوير هذه المناطق وتحديثها وتوفير فرص العمل لأبنائها والحفاظ على ثروتها العقارية وتثبيت الديموغرافية داخلها والحد من الاختراقات المُمنهجة التي كل الهدف منها ضرب هوية هذه المناطق ولونها.

وإقرار اللامركزية لا يعني إطلاقاً فرملة المواجهة مع «حزب الله» مركزياً، لأن لبنان لا يستطيع ان ينهض ويزدهر ويستقر سوى من خلال وجود دولة ودستور وسلاح واحد وسياسة خارجية تعيد ترميم جسور الثقة مع المجتمعين العربي – الخليجي والدولي، ولن يستعيد لبنان دوره بين الأمم سوى بعد ان يستعيد سيادته واستقلاله وقراره، ولكن إقرار اللامركزية اليوم وبمعزل عن كونه ضرورة إنمائية تسهيلاً لأمور الناس الحياتية، فإنه أحد الأهداف المرحلية في إطار المواجهة السياسية مع «حزب الله»، لأنه ما لم يتم تثبيت الناس في أرضها وترييحها اقتصادياً وتأمين مقومات الصمود الذاتية لهذه المناطق بسبب الهدر المفتوح للدولة المركزية التي تحمل أعباء دولة الفساد ودولة الحزب، فإنّ مشروع «حزب الله» سيحقّق المزيد من الخطوات بفعل الهجرة المفتوحة، والتي ارتفع منسوبها كثيراً في السنوات الأخيرة ربطا بالوضع المالي الكارثي.

وباختصار شديد انّ تطوير النظام باتجاه كسر قيوده الطائفية هو خطيئة كونه يتيح لـ«حزب الله» ان يحكم لبنان باسم الديموقراطية العددية، فيما المطلوب الإقدام وفعل المستحيل لإقرار اللامركزية الموسّعة لثلاثة أسباب أساسية: لأنّ النزف السكاني والإنساني سيتواصل بفِعل غياب الاستقرار، ولأن لا حل مُرتقباً لسلاح «حزب الله»، ولأنّ سياسة الصمود للناس والجماعات هي الوحيدة الكفيلة بالحفاظ على هوية لبنان وتوازناته بانتظار قيام الدولة الفعلية.