اذا كان اللبنانيون يعتقدون انهم واصلون في نهاية المطاف الى انفراج في مشاكلهم المتعددة الكبيرة، فهم على خطأ مبين، لان السبب الرئيسي لمعاناتهم، وتفكك دولتهم، هو هذا النظام المركزي الذي يعيشون في ظله، منذ العام 1943، تاريخ خروج لبنان من حكم الانتداب الفرنسي، والذي اريد له عبثا ان يجمع الماء والزيت معاً في دولة مركزية تحمل في تركيبتها البشرية بذور المتاعب والمصاعب والمشاكل، وعدم القدرة على مواجهتها، وحلها، والقول ان التعدد الطائفي والمذهبي في لبنان هو غنى لهذا البلد المعذب، هو قول صحيح يعتد به، في ما لو كان الانتماء الوطني الى لبنان هو الصفة الغالبة التي تميز الشعوب الطائفية والمذهبية التي تمتد على مساحة لبنان كله، ولكن بوجود انتماءات مختلفة، تستيقظ بين الحين والحين لتحول لبنان الى ساحة مفتوحة للصراعات السياسية والطائفية التي تنتهي دوما بصراعات دموية وحروب طائفية او مذهبية، او صراع على السلطة حتى بين ابناء الطائفة الواحدة والمذهب الواحد، يحول النظام المركزي المنقسم على ذاته، الى شبه «خيال صحرا» لا حول له ولا قوة، ولا قدرة على تأمين الاستقرار والامان والكرامة والسيادة والانماء والمساواة والحرية والديموقراطية التي نص عليها الدستور، ولم يلتزم بها سوى قلة «غبية» ما زالت تؤمن انها بسلاح الموقف والصلاة قادرة في زمن القوة والسلاح والعدد على انقاذ لبنان من نهايته المحتومة، كدولة مركزية قوية عادلة، ترعى مواطنيها من ضمن صيغة سميت زوراً صيغة العيش المشترك التي نصت عليها مقدمة الدستور.
***
ان الذين ما زالوا متمسكين بالدولة المركزية، هم الذين يبتلعون خيرات هذه الدولة منذ سنوات طويلة، او الذين افصحوا عن نيتهم بتغيير هويتها الوطنية المدنية التعددية، الى هوية اخرى دينية، وجعل لبنان جزءا من دولة اسلامية او جمهورية اسلامية، واضعاف النظام المركزي، هو جزء من هذا المشروع، والحل الوحيد الذي يمكن ان يقف في وجه طريق اكلة الجبنة، والفريق الساعي الى اسلمة لبنان، والقادر على نقل الشعب اللبناني من رعايا مظلومين ومقهورين وخائفين، الى مواطنين لهم الحق في العيش بسلام وحرية وسيادة ومساواة، هو حل اللامركزية الادارية والسياسية والانمائية الموسعة، التي تحضن الكل تحت سقف العدل الحقيقي في الحقوق والواجبات، وليس كما هو الحال اليوم، حيث لا تقدم الدولة المركزية للشعب منذ زمن طويل سوى الازمات والحروب والفساد والتمييز وتفلت الامن.، والفقر والقهر والحقوق الضائعة واستبداد القوة، وغياب العدل والقانون والدستور، وتوازن التنمية بين المناطق، وتعميم الفراغ والتعطيل والشلل في جميع المؤسسات ومؤخرا النفايات وتعميم الامراض.
قد يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وقد لا يتم، وهذا هو المرجح، ولكن في الحالتين لن يتغير شيء في لبنان باتجاه الافضل، لان الدولة الهرمة المتهالكة، بوجود هذه الطبقة السياسية العاجزة، لا يمكن ان تجني سوى العجز والاستمرار في الانحدار، ولذلك حان الوقت امام المواطنين، كل في منطقته ان يطبق الدستور الذي اعطاه حق اقامة اللامركزية، دون الرجوع الى دولة العجز، والمتمسكين بها، لانهم لن يعطوه هذا الحق، واصبح من حقه ان يأخذه بيديه، ويضع الجميع امام الامر الواقع المحق، لانها الصيغة الوحيدة المتاحة لانقاذ صيغة اخرى عزيزة هي صيغة العيش المشترك المتوازن.