IMLebanon

قرارٌ مدوٍّ للمجلس الدستوري.. فهل تطيح به الجلسة التشريعية قبل أن يفعلها؟

 

ليس من باب الصُدفة ما نُقل على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري أخيراً عن إمكانية تلازم عمل لجنة المال والموازنة مع انعقاد جلسة تشريعية في الوقت عينه، ليتساءل البعض عمّا أراد الرئيس بري إيصاله من خلال إعلان جواز تلازم المسارَين، أي عمل اللجنة وعمل مجلس النواب.

 

البعض يحلّل أنّ الأمر يتعلق بانتهاء عمل المجلس الدستوري الذي ستُحال هيئتُه الى التقاعد فور انعقاد الجلسة التشريعية الأولى بعد درس الموازنة، في وقتٍ ينصّ الدستور أن تستمرّ هيئة المجلس الحالية في عملها بقبولٍ أو رفضٍ للطعون التي تقدَّم لها الى حين تعيين موعدٍ لأول جلسة تشريعية في الدورة الإستثنائية، لتبتّ بانتهاء ولاية المجلس الدستوري الحالي، وتكليف هيئة جديدة يُقال إنّها ‏حاضرة بعد التوافق على أسمائها، هذا في حال صحّت معلومة «التوافق على الأسماء».

 

وفي المعلومات أيضاً، أنّ المجلس الدستوري الحالي يتّجه الى الطعن بقانون الموازنة لأسباب قانونية موجبة، وان أعضاءه يتحضّرون لطرح موجباتها القانونية. والدستوري يبدو أنه سيسير بالطعن للأسباب القانونية ولأسباب أخرى معنوية بعد أن اتّخذ قرارَه.

 

ومن الثابت أنّ إقرارَ قانون الموازنة ‏من قِبل مجلس النواب ستعتريه شوائب كثيرة يمكن أن تؤدي الى الطعن به.

 

وأسباب الطعن وفق الخبير الدستوري والقانوني المحامي سعيد مالك، تتمحور في ثلاث نقاط مهمة:

 

1- قطع الحساب: أي عدمَ وجود قانون قطع الحساب للتصديق عليه من قِبل النواب في المجلس، يعرّض الموازنة برمتها للطعن، لأنه وقبل نشر موازنة عام 2019 يقتضي أن يُصار الى إقرار قانون قطع الحساب لعام 2017 وما سبق من الأعوام.

ويوضح مالك في هذا الإطار، انّه في الواقع وأثناء مناقشة موازنة عام 2017 استند المشترع الى أنّ عدم إرفاقها بقطع حساب، سيؤدّي الى الطعن بها. لذلك تمّ إدراج نصّ المادة 65 من قانون المحاسبة التي أجازت نشرَ الموازنة دون قطع حساب، وذلك لمدة عام من تاريخ النشر، فنُشرت الموازنة في تاريخ 3-11-2017 ومُرِّرت موازنة 2018 في ضوء هذا التعديل».

اليوم وأمام ‏موازنة 2019 لا يمكن القول بأنّه يجب الذهاب الى الطلب من ديوان ‏المحاسبة الإسراع بعمله، ‏لأنّ الأمر غير ممكن ومستحيل، وبالتالي المخرج هو في إدراج مادة في موازنة 2019 ‏شبيهة بالمادة 65 من قانون موازنة الـ97. وبالتالي عدم إدراج هذه المادة في موازنة 2019. كما أنّ إقرار ونشر موازنة 2019 دون التنبّه الى موضوع قطع الحساب، سيؤدّي حكماً الى طعنٍ أمام المجلس الدستوري، في وقت تشير المعلومات الى أنّ المجلس الدستوري ذاهبٌ باتّجاه قبول الطعن الى حدٍّ كبير.

 

2- الأمان التشريعي: وهو ما يُسمّى بالمبدأ الدستوري العام أي مبدأ «الأمان التشريعي» والمقصود فيه بحسب مالك، أنّ التشريعات لا يجب أن تبقى ثابتة، بل يجب أن تتدرّج زمنياً ضمن إطار يساهم في الانتقال ‏إلى حال أفضل وأكثر إنصافاً للمكلّف، وعدم الذهاب إلى الاقتطاع من مكتسباته ‏والتي تُعتبر حقوقاً مكتسبة.

وبالتالي من الممكن الى حدّ كبير أن يشكّل هذا الموضوع مادة مهمة للطعن بقانون الموازنة أمام المجلس الدستوري‏، خصوصاً أنّ المعلومات تشير الى اتّجاه الدستوري للمضي قدماً بالطعن، وبأنّه سيكون متجاوباً معه بنسبة مرتفعة جداً، وأن يذهب باتجاه قبول الطعن على أساس مبدأ الأمان التشريعي الى حدّ كبير، لا سيما وأنّ رئيس المجلس الدستوري ‏الدكتور عصام سليمان قد شارك في مطلع نيسان الماضي بمؤتمر في كندا‏ حول موضوع «‏الأمان التشريعي،» ‏وبالتالي هو يعتبر هذا الموضوع مهماً جداً وقد يدفع به الى القبول بالطعن. ‏أما العلاج من هذا الأمر فهو في التخفيف من عملية ‏الاقتطاعات ومن الحسومات ‏على هذه الرواتب والأجور بما فيها رواتب المتقاعدين ‏حتى لا يعتمد على مبدأ «الأمان التشريعي» للسير ‏باتجاه الطعن.

 

3- ‏«فرسان الموازنة»: أي ‏تضمين الموازنة الكثير من» فرسان الموازنة «والمقصود بها بحسب مالك، زجّ‏ مواد داخل الموازنة لا مكان لها أو لا تستقيم داخلها قانوناً. مثلاً قانون الاقتطاعات من قانون الدفاع، أو فرض ضرائب على قضاة أو متقاعدين أو على أساتذة الجامعة اللبنانية».

وفق ما تقدّم يتّضح أنّ مفهوم الموازنة الدستوري هو بيان مفصّل للنفقات والواردات وليس عملها إدخال تعديلات على قوانين وفرض ضرائب! وبالتالي، تُعتبر تلك التجاوزات على عمل الموازنة «فرساناً للموازنة»، وبالتالي يشكّل هذا الأمر بدوره مادة دسمة ثالثة للطعن أيضاً بها أمام المجلس الدستوري.

وتجدر الإشارة الى أنّه قد صدر قرار للمجلس الدستوري يحمل رقم 6/2014 يتعلق بمسألة الأمان الدستوري عام 2014 ذهب الى تثبيت ما يُسمّى اليوم مبدأ الأمان العام الذي هو «الأمان التشريعي».

 

ويبقى التذكير الأهم أنّ صلاحية المجلس الدستوري تعتبر اليوم منتهية ونحن على قاب قوسين أو أدنى من تشكيل المجلس الدستوري الجديد. فالترشيحات قد تمّت. والأسماء أصبحت بعهدة مجلس النواب ومجلس الوزراء، وبالتالي يُفترض في أول جلسة تشريعية لمجلس النواب أن يصار الى إدراج انتخاب خمسة اعضاء للمجلس الدستوري، والى تعيين خمسة أعضاء آخرين من قِبل مجلس الوزراء. أما وفي حال ظلت الهيئة الحالية قائمة فسيبقى عملها مستمراً لأنّ عملية التعيين قانوناً تستلزم وقتاً.

 

مصادر مطّلعة تشير الى إمكانية استمرار عمل المجلس الدستوري الحالي حتى مطلع تشرين الاول، بما أنه أصبح على قاب قوسين من انتهاء مدة ولايته، وقد تتريّث الحكومة كما مجلس النواب وحتى الرئيس بري في انتظار صدور قانون الموازنة وانقضاء مهلة الطعن، قبل أن يُصار الى انتخاب هيئة جديدة حتى لو طالت المدة الى تشرين المقبل، نظراً لأسباب عدة أبرزها حسب تلك المصادر، أنّ مَن استطاع الانتظار 9 سنوات لن يعيقه شهران إضافيان، حتى لو تمّ إرجاء انتخاب هيئة جديدة للمجلس الى مطلع تشرين… انما تبقى هذه المعلومة وجهة نظر.

 

أما السبب الثاني لإحتمال التريّث أنّ القضاة الجدد الذين سيُنتخبون لن تكون لديهم حُكماً، الخبرة نفسها كالقضاة الحاليين المتمرّسين في عملهم والجهابذة في القانون والعلم الدستوري. إنّما تبقى أيضاً هذه المعلومة وجهة نظر.

 

أما المعلومات الدقيقة، فهي التي تفيد بتوجّه المجلس الدستوري الى تخليد ذكراه تاريخياً من خلال تتويج نهاية ولايته بقرارٍ مدوٍّ.

 

والسؤال المطروح، هل يتم الإسراع في تشكيل المجلس الدستوري الجديد قبل قانون الموازنة؟ أو يُترك الى ما بعد الموازنة لأنه يُخشى في حال بقائه من تسجيل بطولة في سجلّه الذهبي؟

 

والسؤال أيضاً، هل الوزراء والنواب مستعدون الى تقديم هذه الهدية الثمينة للدستوري أم سيسارعون الى ترحيله؟ لاسيما وأنّ النائب علي بزي، وعلى لسان الرئيس بري، أعلن أمس «أنّ فتح الدورة الإستثنائية التي تمّت تتضمَن مبدئياً المواضيع كافة ومنها المواضيع القانونية». فهل أراد الرئيس بري، بالإضافة الى إعلانه تمرير جلسات تشريعية في موازاة درس الموازنة، أن يغمز الى ‏إمكانية تمرير تشكيل المجلس الدستوري بعد أن بَلَغَهُم قرار الدستوري بأنه يتحضّر للقرار المدوّي؟