Site icon IMLebanon

القرار ليس وليد ساعته والسلطة كانت تعرف ولم تتحرك مخاوف من ترك السعودية لبنان للنفوذ الإيراني؟

لم يكن تصريح وزير الدفاع الوطني سمير مقبل لـ”النهار” بأنه تبلغ من الفرنسيين قرار المملكة العربية السعودية تجميد اتفاق الهبة المالية العسكرية للبنان يوم الاثنين الماضي، معطوفا على عدم إطلاع رئيس الحكومة على مضمون هذا الكلام، وعلى ما قاله سلام أمام زواره أمس إنه لم يكن على علم بموقف وزير الخارجية لجهة الخروج عن الاجماع العربي في مؤتمر جدة، إلا الدليل الصارخ على التخبط الذي تعيشه السياسة الخارجية للبنان والذي يعكس في شكل واضح عمق الصراع الإقليمي بين الرياض وطهران، وآخر تجلياته قرار المملكة تجميد هباتها العسكرية للبنان ردا على المواقف اللبنانية الرسمية الاخيرة.

ليس القرار السعودي وليد ساعته، كما بات واضحا من سياق التطورات، وقد استغرق وقتا لدى القيادة السعودية قبل إصداره على لسان مصدر مسؤول سعودي، وليس عبر تبليغه بشكل رسمي الى الدولة اللبنانية.

ولم يكن القرار مفاجئا كذلك للسلطات اللبنانية التي كانت تدرك وتتلمس عتبا سعوديا في الدرجة الاولى وخليجيا في الدرجة الثانية من الموقف اللبناني الرسمي في مؤتمر جدة.

مضى وقت طويل على المؤتمر، لم تواكبه أي حركة اتصالات لبنانية ترمي الى استباق أي رد فعل عربي متوقع سلفا، ويتم التحذير منه من أكثر من جهة، ولا سيما الوسط الاقتصادي الذي شعر بالخطر على أبناء الجاليات اللبنانية العاملين في دول الخليج. كذلك فعل رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة في جلسة الحوار ما قبل الاخيرة، أي قبل شهر تقريبا عندما حذر من مخاطر عدم مقاربة هذه المسألة بالجدية المطلوبة، فيما طالب وزراء في الجلسة الحكومية التي تلت صدور البيان (نهاية العام الماضي) ببحث الموضوع وإصدار قرار يوضح ملابساته. حتى وزير الخارجية طالب بذلك، لكن طلب الوزير محمد فنيش تأجيل البحث الى الجلسة التي كانت ستعقد استثنائيا يوم الثلثاء، دفع رئيس الحكومة الى قبول التأجيل طمعا منه بتفعيل عمل الحكومة.

وهكذا وقعت الحكومة في خطأين: أولهما ابتعادها عن تحديد سياستها الخارجية بشكل واضح، مما أدى الى فقدان التنسيق بين رئيس الحكومة ووزير خارجيته في ملف حساس كالملف المطروح. وثانيهما ان لبنان لم يلجأ الى التعامل بجدية ومسؤولية مع العتب العربي والسعودي تحديدا، معولا على التفهم لموقفه، ومغفلا أن الصراع الاقليمي بلغ ذروته، وكما هو يمنع لبنان من انتخاب رئيس، يدفعه الى حسم خياراته في هذا الصراع. وهو ما حصل أخيراً عبر الموقف السعودي. وهذا ما دفع رئيس الحكومة الى التريث حتى اليوم لعقد جلسة مخافة تفجرها من الداخل.

فالمملكة لم تصل الى هذا القرار بسبب رغبتها في معاقبة لبنان على سوء ادارته لسياسته العربية، ولم تفعل ذلك بذريعة تقليص نفقاتها بعد التمويل الضخم الذي تخصصه لحرب اليمن وغيرها، كما حلا لبعض ٨ آذار التحليل. ويكفي الإشارة الى حجم الاحتياطات النقدية للمملكة والتي تفوق الـ٧٠٠ مليار دولار لتبين ضعف هذه الذريعة، أمام بضعة مليارات خصصتها المملكة للبنان. لكن الواقع ان المملكة بلغت مرحلة في صراعها مع ايران لم يعد في إمكانها التسامح أو القبول بأنصاف المواقف.

بدا واضحا من القرار الذي كانت السلطات الفرنسية تبلغته قبل فترة قصيرة وأبلغته الى وزير الدفاع اللبناني، أن المملكة جدية في موقفها من لبنان.

فالهبة التي مضى عليها ٣ أعوام شهدت الكثير من العثرات والعراقيل التي كانت محط استياء سعودي، خصوصا في ظل ما رافقها من كلام عن صفقات ورشى.

وكان رئيس الحكومة تبلغ قبل وقت قصير من الفرنسيين ان هناك عرقلة، رغم التأكيد أن الدفعة الجديدة من الأسلحة ستصل في موعدها، أي في أيار المقبل.

لم ينفذ من هبة المليارات الثلاثة إلا ٢٠ في المئة، أما هبة المليار الموضوعة في حساب في السعودية باسمي الرئيس سعد الحريري والسفير السعودي في لبنان، فقد تم صرف نحو ٧٠ في المئة منها.

حتى الآن تقف العقوبة -إذا جاز التعبير- عند هذا الحد، بعدما تم اقفال فرعي البنك الأهلي السعودي في لبنان.

لم تقارب القيادة السعودية بعد الهبات المالية المودعة في المصرف المركزي لدعم العملة الوطنية، ولكن لا شيء يشي بأن احتمال سحبها ليس واردا، وهذا ما يجعل المخاوف تكبر من الخطوات السعودية المقبلة، وهو ما قصده وزير الداخلية نهاد المشنوق عندما حذر من أن ما حصل ليس إلا أول الغيث.

الأسئلة حيال الموقف السعودي مشروعة، خصوصا حيال مدى جديتها، كما حيال مدى انعكاساتها على الداخل، ولكن السؤال الأهم الذي يخشاه اكثر من وسط سياسي محلي، هل القرار الذي يأتي في إطار المواجهة مع إيران يمكن ان يؤدي الى انسحاب السعودية من لبنان، مع ما يرتبه مثل هذا الانسحاب من رمي للبلاد في أحضان النفوذ الايراني والسيطرة الكاملة لـ”حزب الله” عليه؟