Site icon IMLebanon

الحسم ممنوع والحل في النار!  

سلّمت جميع القوى المشاركة في الحرب مباشرة أو بالوكالة، بمن فيها كبار الممانعين، الذين يريدون تحرير فلسطين مروراً بسوريا، أن «الجبهات« السورية ستعيش اشهراً من النار والدماء حتى مطلع العام القادم. ليست الانتخابات الاميركية السبب في هذا التطور أو هي رأس المؤامرة. الواقع يؤكد ان الحسم ممنوع في سوريا لفترة طويلة تتجاوز نهاية العام 2016، ممنوعات عديدة تحكم مسارات الميدان السوري منها:

[ إن الحسم ممنوع، لم يكن قراراً وإنما بسبب خصوصية الميدان السوري. الحسم يعني هزيمة قوة او جبهة، واستسلامها لحل سياسي يلغيها من سوريا وبطريقة آلية يتمدد الى داخلها، سواء كانت قوة صغيرة او كبرى، اقليمية او دولية. عندما كانت الفصائل المسلحة قادرة على الحسم منعت عنها الاسلحة المتطورة وتدخل طيران «القيصر».

[ إن المفاوضات السياسية لم تبدأ فعلاً بعد. كل ما يجري في جنيف وفيينا ليس الا محاولات لقراءة الظروف والامكانات. الخريطة السورية صعبة ومعقدة جداً. اهداف القوى المشاركة متضاربة ومتنافسة وتصل في توجيهاتها الى حد التقاطع مع الأمن القومي لكل منها، وان بدرجات مختلفة. تبدأ المفاوضات عندما تتفق اكثر من قوة، ولا تعمل على إلغاء القوى الاخرى. الإلغاء والتهميش ممنوعان. حتى لو تحالفت واشنطن وموسكو وضربتا الطاولة عشر مرات لا يمكنهما فرض الحل الذي تريدانه. توجد قوى اقليمية كبيرة هي: السعودية وايران وتركيا ومصر واسرائيل لها مواقعها وادوارها واستراتيجياتها المرتبطة بشكل او بآخر بمستقبل سوريا.

[ إن التصعيد العسكري المتوقع خلال هذا الصيف والخريف القادم هو تعبير عن موازين القوى ميدانياً. الخسائر خصوصاً المدنية منها، لا تثير اي اهتمام. التقدم والتراجع ميدانياً ليسا بالضرورة بسبب القوة او الضعف، وانما لأن كل الاطراف والقوى تعرف حدودها وسقفها. اي محاولة لكسر الحدود او اختراق السقف، يلحق بها خسائر جسيمة، تلقنها فوراً الدرس الذي عاندت في تلقيه دون خسائر. من لا يقتنع ليراجع وقائع الحرب الاهلية في لبنان ويتعظ.

[ توجد خطوط تماس ثابتة او تتشكل بفعل التطورات. حلب خط تماس اقليمي ودولي. ممنوع سقوط حلب بيد احد. ستبقى كما هي مثل الشياح عين الرمانة في الحرب اللبنانية. مهما تقدم أي طرف، سيتراجع حاملاً خسائره معه. سقوط حلب يعني هزيمة استراتيجية لتركيا ولكل «العرب السنّة«. كذلك سقوط اي بلدة او مدينة في الجبل العلوي او الخط الساحلي ممنوع. التقدم مسموح والتراجع اجباري. التفجير الاخير في جبلة وطرطوس، تعبير عن هذا العجز بضربة توجع المدنيين. من الطبيعي ان تختلف ردود الفعل لدى المدنيين بين مستشرس في دعم النظام ويائس منه. النتيجة الواقعية، المزيد من التقوقع والانغلاق والخوف، وتأجيل المفاوضات والتفاهمات.

[ هذا الوضع ينتج يومياً مزيداً من غرق سوريا في المستنقع، وفي الوقت نفسه مزيداً من جذب كل القوى سواء عسكرياً او سياسياً للغرق فيها ومعها. الخسائر البشرية تتصاعد بلا حساب. الخسائر المالية والاقتصادية خرجت من جداول الضرب والطرح. اصبحت خارج كل الحسابات والتقديرات. ليس البشر وحدهم يدفعون ضريبة الحالة «الاستنقاعية». الليرة السورية الضحية الكبيرة، ومعها الاقتصاد السوري. ايضاً يجب التذكير بأن اللبنانيين خسروا ثرواتهم بانهيار الليرة. بعضهم تحول الى مليونير بين ليلة وضحاها، وبعضهم عضّ على جراحه وجوعه يومياً. هذا الانهيار بداية ضرورية وملزمة لدفع القوى السورية الداخلية، خصوصاً تلك التي بقيت مكتوفة الايدي للتحرك، وأخذ المواقف. أخطر ما يحصل مع انهيار الليرة حصول موجة من التغيير الديموغرافي يعتمد على شراء العقارات. من الطبيعي جداً ان قوى خارجية تستعين بقوى داخلية للعب هذه اللعبة القذرة في هذه العملية. عاجلاً أو آجلاً ستتبلور مفاعيلها وانهياراتها على التشكل القادم لسوريا.

[ إن النظام الاسدي ضد اي تسوية لأنها ستنتج حكماً خسارته. اي تسوية تتطلب التنازلات، وهو سيكون موضع المساوم. لذلك من مصلحته تجديد الصراع والصدامات بكل الوسائل، حتى تحين ساعته.

يبقى سؤال كبير خارج من قلب الحرب في سوريا، يجب العثور على جواب او اكثر له. دون ذلك فان النار ستلتهم المنطقة وستتمدد الى العالم». ما هذه القوة السوداء والعمياء التي يمتلكها تنظيم «داعش» والتي تمكنه من ان يضرب في اسبوع واحد في العراق في الأنبار؟ وفي سوريا في جَبلة وطرطوس؟ وفي ليبيا في مصراتة؟ وفي عدن؟ هذا التنظيم يضرب اينما يريد وكيفما يشاء ويحاربه تحالف دولي ضخم دون نتائج؟ لماذا؟.

أمام «تنظيم» كهذا وحروب كهذه ممتدة من الجزائر الى عدن وصولاً الى العراق وسوريا، فان الانتشار خصوصاً بالنسبة للقوى المحلية (مثل حزب الله) ينتج المزيد من الخسائر والتراجع اليومي للأرباح. حتى يأتي اليوم المحسوب للحلول، وهو بالتأكيد ليس في العام القادم فتصبح العودة هزيمة انسانية واجتماعية قبل ان تكون عسكرية.