بدا في الاونة الاخيرة، ان جيش المترددين قد كبر في منطقتنا. كثيرون لا يريدون مواجهة حقائق المواجهة القائمة. قرر قسم منهم ان مصيرهم بات رهن ما تقرره جوقة العملاء والتكفيريين المنتشرة في كل العالم وفي كل المذاهب الدينية والفكرية والسياسية. وهؤلاء، سوف يدفعون الثمن قاسيا ان لم يحركوا العقل لساعة، ثم يقرروا الى اين المسير.
هو جيش تقوده الادارة الاميركية، التي لا تزال تمثل رأس الشر في العالم. وزاد عليها وحشية، ذلك الاوروبي القميء، الذي يحن الى زمن الاستعمار القديم، والذي تمثل حكومة فرنسا نموذجا واضحا عن انتهازيته، وعنصريته وحقده. ومع هؤلاء، هناك الخونة والعملاء، المنتشرون في حكومات دول الخليج العربي أولاً، ودول عربية واقليمية ثانيا، وفي كل الاندية السياسية والاعلامية والفكرية التي يمولها هؤلاء.
خسر هذا الفريق معركة فرض السيطرة المباشرة، او اعادة انتاج مؤسسته للهيمنة. صار يقبل الوكلاء، ولو كانوا على هيئة داعش، لكنه فريق لا يرى في الدنيا اليوم إلا خصما واحدا، هو محور المقاومة. ولذلك، نجد انفسنا اليوم في مواجهة جوقة واحدة، تمسك بكل هذه الحكومات والجيوش والعقول والمؤسسات الحزبية والاعلامية والفكرية والدينية. وليس عند الحثالة من المنضوين في هذا الفريق من حيلة للخروج من هذا المأزق. هؤلاء، صاروا يربطون مصيرهم بمصير محور القتل هذا، فكشفوا عن كل مستور، واظهروا كل الاحقاد. حتى أقفِل الباب تماما امام اي نقاش عاقل معهم. غدت المحاولة، مضيعة للوقت، كمن خانته الذاكرة، او لم تعلمه التجارب.
إنه زمن النزول عن التل والانخراط
في المعركة، ومغادرة لعبة الصمت باسم المسؤولية الوطنية والتعايش
ولان الامور على هذا القدر من الوضوح، كان ضروريا ان يخرج السيد حسن نصرالله بالموقف الحاسم، غير القابل للتأويل. وهو ما يفرض على جمهور المقاومة ليس فقط الحماسة للخطاب المرتفع والواضح، بل التوقف عن مضغ الكلام، وعن الدخول في تحليلات وترهات تعكس مراهقة. وبات واضحا ان من يرى نفسه في هذا المحور، عليه ادراك ان المعركة تطاوله مباشرة. تطاوله في بيته وعائلته واولاده وجيرانه ووظيفته وتعليمه وصحته قبل حريته وكرامته. وهذا يفرض عليه التوقف عن ترف البحث عن خيارات تلائم بين ليل ونهار. فلا مجال لمشتركات بعد اليوم مع الفريق الاخر. لقد انهى هؤلاء، كل صلات يمكن ان تحدث فرقا في ادارة شؤون الحياة. ولا معنى بعد اليوم، لاي تسوية مع قوى وجهات تكمن وتغدر كلما اتيح لها الوقت. ولا معنى بعد اليوم، لحوار باسم تبادل الرأي مع أناس يتظاهرون بحرية الاختيار، لكنهم يعملون خادما وفيّا عند من يقتل اهلهم بموافقتهم.
انه باختصار زمن الحسم. زمن النزول عن التل. زمن الانخراط في المعركة المباشرة. زمن الاختيار بين خطين، ونمطين، ومنهجين. زمن قبول التحدي. وعلينا ان نختار بين الانتماء الى زمن الجهل والظلامية، والانخراط في معركة ابادة هذا التيار. وهي معركة تلامس رفض اي تعاطف او تبرير مع الارهاب. هو زمن، يتطلب الموقف الحاسم مهما كان قاسيا، ومهما كان مؤلما. ومن يعتقد بوجود مربع ثالث، فليذهب اليه، وليظهر لنا جدواه.
في زمن الحسم، سوف تكون الامور شديدة الوضوح، سوف تفقد الكثير من معاني التسامح التقليدي. هو زمن الرد على جريمة الابادة التي يقودها محور الجنون باسم داعش وفكرها. هو زمن الرد بقسوة، وبلا رحمة، على كل من يساعد هذا المحورالشرير، قولا وفعلا وانخراطا.
في زمن الحسم، على الناس ان يختاروا جهة ويقبلوا قيادة تمنحهم الثقة لادارة المعركة. هو زمن، لا مكان فيه لترف البحث والتمحيص. هو زمن العقل الحقيقي، وزمن تركيز الجهود في سياق واحد. فلا مجال لتأويل او اجتهاد او مكابرة او انكار. ولا مجال لمزايدة او سفسطة او احتواء. ومن يجد، عن مصلحة او عن قناعة، انه في قلب هذه المعركة، فعليه النظر الى اخر المشهد، لا الى تفاصيله التي تجعله قابلا للاحباط والضعف والتراجع. ومن لا يقدر على الانخراط، وكانت لديه القناعة، فليعرنا صمته على الاقل.
في زمن الحسم، على كل اعدائنا توقع الوضوح الكامل منا. سنرمي في وجوه هؤلاء كل جرائمهم، وكل عمالتهم، وكل انخراطهم في جريمة العصر الكبرى. وفي زمن الحسم، لن نحتال على انفسنا، ولا على خصومنا بكلام معسول من قبيل الاحتواء والتحييد، بل سنستنفر كل شيء في اعدائنا، وسوف نلزمهم ازالة بقايا الاقنعة والنزول الى الميدان. ولن نستمر في لعبة الصمت باسم المسؤولية الوطنية، او التعايش والمساكنة والمحاباة والحنين الى زمن مضى، وسنكون اكثر قساوة في معاملة هؤلاء، وبما يليق بهم، كعملاء قذرين تلفظهم الرياح الساخنة، الى حيث يجب ان يكون مصيرهم الاسود.
إنه زمن تغيير كل قواعد اللعبة في عالمنا العربي، فلا دساتير بالية تبقى، ولا منظومات حكم وضعها الاستعمار تصلح لاستقلال حقيقي، ولا وحدة وتماسك من دون دولة واحدة قوية، لا تقف عند خاطر فئات تبرر عمالتها للخارج بخوفها على خصوصيتها.