هبت رياح الوفاق. لا تزال خجولة؟ هذا صحيح، ولكنّها هبّت فعلاً. الجديد فيها أنها ليست بنت اللحظة الأمنية بل سبقتها ولو بساعات. فعندما حدثت التسوية على الجلسة النيابية «التشريعية» في الرياض، لم يكن التفجيران الإرهابيان قد حدثا، بعد، في الضاحية… وأيضاً طرح أمين عام حزب اللّه سماحة السيّد حسن نصراللّّه مبادرته الوفاقية قبل وقوع العملية الإرهابية في برج البراجنة…
والإستنتاج من ذلك كلّه أنّ ثمة توجهاً مبدئياً الى قرار بالخروج من الأزمة الداخلية بعدما تفاقمت أضرارها الى حدود تكاد تكون مأساوية فعلياً… والمثال الصارخ أمامنا هو أزمة النفايات التي كشفت آخر ما كان مستوراً من العيبات.
ولقد يكون سابقاً لأوانه أن نتوقع التوصّل الى نتائج سريعة ممّا يطيب لنا أن نسمّيه «إعلان النوايا الجديد» بين تيار المستقبل وحزب اللّه، واستطراداً الأطراف العديدة المنضوية الى هذا «المعسكر» أو إلى ذلك، وتلك المتحالفة مع كل منهما.
ولكنه ليس سابقاً لأوانه أن تتجه الأطراف الى طاولة الحوار بنسق جديد مختلف عن الماضي القريب… نسق ينطلق من رغبة أكيدة تتجاوز مجرّد إثبات الوجود الى الطاولة، وتتجاوز خصوصاً «المناكفات» والنكايات والأحقاد… باختصار تتجاوز «نحن هنا» حول طاولة الحوار كي لا يقال إننا قاطعناها!
في تقديرنا أن الأجواء الإيجابية التي بدرت ما قبل وبعد جريمة برج البراجنة لا يجوز أن تمرّ وكأنها لم تكن… لقد بادر السيّد نصراللّه الى تلقف «مبادرة الرياض» التي أنتجت حلاً لأزمة الجلسة النيابية التشريعية. وبادر الرئيس سعد الحريري الى تلقف مبادرة سماحة الأمين العام في خطاب ما بعد جريمة البرج. فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن تفوت هذه الفرصة النادرة. نحن نكرر إنّه ليس من السهولة بمكان ان «يتحرّر» أي طرف داخلي من ارتباطاته الخارجية. ونعرف «الاسباب الموجبة» التي تحول دون التحرر، قدر ما نعرف المدى الذي يربط جماعة الداخل بالخارج… بل إن اللبنانيين، عموماً، يعرفون ذلك كله (…)
ولكننا نعرف، بالتأكيد، أن الأمر ليس مستحيلاً… لأنه في حال استمرار هذا النزف الكبير الناجم عن الخلاف العمودي الحادّ الضارب في العمق في النسيج الوطني… فلن يبقى لا نسيج ولا وطن.
إن الأحداث الإستثنائية، بالغة الخطورة، التي تضرب الإقليم والعالم كله ليس في مقدورنا أن نواجهها (في هذا الوطن الصغير المعذب) إلاّ من باب توافق وطني يلامس مقتضيات الوحدة الوطنية الراسخة التي لا خلاص لهذا الوطن إلاّ فيها.
ها هو العالم يعقد المؤتمرات بحثاً عن حلول لأزمات المنطقة ذات الإنعكاس المباشر على لبنان.. فهل نكون بعيدين عنها بعدم تهيئة أنفسنا الى ما يمكننا من استقبالها على الأقل؟ صحيح أنّ لبنان ممثل في أخطر مؤتمر يبحث مصير سوريا، من خلال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل… وهذه حقيقة تكاد تتجاوز الخيال (أن يكون للبنان حضور، على الأقل، في مؤتمر دولي البند الأساس على جدول أعماله تقرير مصير سوريا؟!) ولكنها لا تكفي إذا لم تكن منطلقة من أرض داخلية صلبة لحمتها وسداها وحدة وطنية أكيدة يبلورها قرار وطني واحد موحّد.
ولسنا نبالغ في شيء إذا قلنا إنّ هذا كله ينطلق (بل يجب أن ينطلق بالضرورة) من سلّة حلول توافقية يتم التوصل إليها سلفاً تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية أيضاً وكذلك قانون إنتخاب حديثاً.