Site icon IMLebanon

«إعلان نيّات» بين «الكتائب» و«القوات»؟

على رغم كلّ محاولات حزبَي «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» وُضع التنافس بينهما في إطار الحياة السياسية الديموقراطية، إلّا أنّ ثمّة علامات أثارت قلق «القوات»، وظهرت مع تسلّم النائب سامي الجميّل رئاسة «الكتائب» خلَفاً لوالده رئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل.

لا تزال هذه العلامات تتصعّد من خلال مواقف الجميّل الإبن نفسه، وكان أوضحها كلامه عن استحالة وصول «حليفي السعودية وإيران»، حسب تعبيره، الى رئاسة الجمهورية، ملمّحاً إلى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، وليس آخرها ما سُرّب عن لسان أحد وزراء «الكتائب» من أنّ «جعجع قبض 450 مليون دولارمن السعودية».

صحيحٌ أنّ قيادتَي الحزبين نفتا تلك الإشاعات وشدّدتا على أنّهما لا تزالان مطمئنّتين إلى أهدافهما الوطنية المسيحيّة الإستراتيجية المشتركة، لكن يبدو أنّ الشيطان يكمن في تفاصيل «الوسائل» و«الأساليب» التي يتّبعها الطرفان للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف، إضافة إلى ما في داخل القلوب «المليانة» من تراكمات تُغذّيها الطموحات الشخصيّة لرئيس حزب «الكتائب» الشاب الساعي إلى زيادة شعبيّته المسيحية من خلال توجيه سهامه من حين إلى آخر إلى «القوات» و«التيار» وإعلان نفسه بديلاً مستقبلياً لهما، مستفيداً من عامل سنّه، معتبراً أنّه الأقرب إلى الشباب وما يُطالب به المجتمع المدني.

لا شك في أنّ الرئيس أمين الجميّل كان يتمتّع بالخبرة الكافية لتفادي هذه الأجواء، خصوصاً في ظلّ النزاع الاستراتيجي المستفحل بين قوى «8 و14 آذار»، وما تشهده المنطقة من تطوّرات إقليمية كبيرة، وعلى رغم المطبّات أحياناً، لم تكن الأمور تنحدر إلى هذا الدرك من الاستفزازات المتصاعدة التي لم تعد مستغرَبة لدى المراقبين.

ليس سراً أنّ «القواتيين» يُجمعون على شخصية الجميّل الأب الاستيعابية ولا يفهمون جموح الجميّل الإبن الساعي إلى استرداد شعبيّة فقدَها والده لمصلحة «القوات» بقيادة جعجع من خلال تراكمات في مراحل سابقة، والخوف أن يستمرّ هذا الجموح ولو على حساب القضية المصيريّة التي طالما جمَعت بين الحزبَين صاحبَي القواعد الشعبية المشترَكة في أماكن متعدّدة.

وما زاد في الطين بلّة، شعور «الكتائب» ورئيسها الجديد بنوع من العزل بعد «إعلان النيات» بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، خصوصاً أنّهما الحزبان الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين وفق كلّ استطلاعات الرأي، ما يشكّل خوفاً لدى القيادة الكتائبية من أن يمتدّ ذلك من «إعلان نيات» حول مبادئ سياسية عامة، إلى تحالف انتخابي مستقبلي «يأكل الأخضر واليابس» في «الكوتا» المسيحيّة.

ويأتي الاهتمام السعودي – القطري بجعجع واستقبالهما «الملوكيّ» له ليجعل «الكتائب» متوجّسة من ذلك الإهتمام الذي يجعل «القوات اللبنانية» حزباً محصَّناً بأبعاد استراتيجيّة عربية معتدلة ومرشّحاً دائماً ليكسب تأييدها إذا حصلت الانتخابات الرئاسية بتأثيرات إقليمية وهذا واقع لا مفرّ منه، الأمر الذي سيجعل من رئيس «القوات»، على الأقل، صاحب كلمة أساسية في صنع الرئيس العتيد.

في المقابل، تحاول «الكتائب» إعادة ترتيب أوراقها من خلال تمايزها الدائم عن «14 آذار» منفتحة على كلّ الأطراف في قوى «8 آذار» ومن ضمنها «حزب الله»، معتبرة نفسها برئاسة شاب لا «ينقّز» الآخرين بماضيه، أنها أكثر قدرة على المناورة من «القوات اللبنانية»، وهذا ما يُبرّر حوارها، وإن كانت نتائجه عقيمة، مع «حزب الله» وعلاقاتها الديبلوماسية مع إيران.

تَعتبر «القوات» أنها الأكثر التصاقاً بالوجدان المسيحي في الوقت الحاضر، لأنها لم تساوم ولم تناور ولم تتنازل لتتعايش مع «حزب الله» في حكومة متناقضة لم تقدّم شيئاً إلى المواطن، كذلك لم ترضَ بالمشاركة في حوار دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي لن يؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية.

ولعلّ هذا النهج الذي اعتمدته «القوات» أثار مزيداً من غيظ القيادة الكتائبية التي اعتمدت نهجاً معاكساً بالإنفتاح والتعايش مع الأطراف السياسية الأخرى بهدف حلّ المشكلات التي يتخبّط فيها البلد، ولو على حساب رصيدها الشعبي.

سلوكا «القوات» و«الكتائب» يبدوان متناقضين ولكلّ منهما تكتيكاته ومقارباته، وكان يمكن أن يستمرّا على هذا النحو إلى ما شاء الله من منطلق الحياة السياسية الديموقراطية، لو لم يصب علاقتهما بعض التصدّع، وقد انعكس ذلك بقوّة على سجالات المحازبين في شبكات التواصل الإجتماعي!

التباعد لا يزال مستمراً حتى ولو أكّد رئيسا الحزبين أنّ علاقتهما في ألف خير، فهل آن الآوان لتحضير ورقة «إعلان نيات» بين الحزبين اللذين غالباً ما تباهيا برابط الشهادة الواحدة والثوابت الواحدة؟