Site icon IMLebanon

   «إعلان النيات» صامد.. بوجه «نسمات» الاستحقاقات

«التيار الوطني» و«القوات» يتنافسان نقابياً.. بلا خصام

                           

يبتسم المدافعون عن «إعلان النيات» المعلن بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» حين تُتهم الورقة بأنها سقطت على أبواب الاستحقاقات النقابية المشتركة بين الفريقين، لتتحوّل حبراً على ورق لا ترجمة لها على أرض الواقع، ولا قيمة مضافة لها قد تقدّمها في مسار العلاقة الثنائية المتجذرة في نزاعاتها وحروبها.

بنظر هؤلاء، في متن الورقة ما يجيب عن كل هذه «الاتهامات» ولا حاجة لنبش الحجج والإثباتات التي تظهر «براءتها» وقوة دفعها، وأهميتها للعلاقة المستقبلية بين «العونيين» و «القوات». يكتفون بالقول إنّ الوثيقة لم توضع على قياس بعض المقاعد النقابية أو المراكز الانتخابية، ولا ضرورة بالتالي لرجمها عند كل مفترق قد يواجه الفريقين. ولا بدّ في المقابل من التريّث والانتظار لتلمّس المفاعيل الحقيقية لهذا التقارب المخالف للمسار التاريخي.

بالأساس، حين صيغت تلك الورقة، نصّت بصراحة على أنّ الطرفين سيعملان على تفعيل إنتاجية اتفاقاتها حيث يتفقان، ولكنهما سيتنافسان من دون خصام، حيث يختلفان. إذاً السيناريوهان واردان، وليس من باب الغرابة أن يتواجها في بعض الاستحقاقات أو أن يتنافسا، وانما الاستثناء حين يحققان إنجاز التقارب.

فـ «القوات» مثلاً متحالفة مع «تيار المستقبل» ونجحا حتى الآن في حماية هذا التحالف من حمى التباينات، وما أكثرها. ومع ذلك هما يتواجهان أحياناً على حلبات الانتخابات أو حتى في بعض القضايا السياسية، وآخرها المشاركة في الحكومة وفي طاولة الحوار. ولا يعني أبداً أنهما صارا خصمين أو متنازعين، وانما يعرفان كيف يديران اختلافاتهما.

إذاً، التمايز لا يلغي الورقة ولا يسقط مهمتها. لا بل يؤكد المدافعون عنها أنّ «نفَسَها طويل» وذات أبعاد استراتيجية في علاقة الفريقين، ولا يمكن قياسها بمنظار الاختبارات الآنية التي تواجههما، خصوصاً أن الاستحقاقات النقابية، سواء التي حصلت (نقابة موظفي الكازينو) أو المرتقبة قريباً (نقابة المحامين ونقابة الصيادلة)، حيث التنافس مرجَّح بين العونيين و «القوات»، لها حساباتها المعقدة وخصوصياتها التي لا يمكن لأي ورقة تفاهم أن تعالجها أو أن تضبطها.

ويعطي هؤلاء مثالاً صارخاً على فرادة الاستحقاقات النقابية، وهي انتخابات نقابة الصيادلة، حيث من المرجح أن يتحالف «التيار الوطني الحر» مع «تيار المستقبل» بوجه بقية القوى. فهل هذا يعني أنّ هذا التحالف سيتحول تحالفاً سياسياً؟ أم بمقدوره أن يلغي بقية التحالفات السياسية؟ بالنتيجة، وفق هؤلاء، فإن ما يحصل داخل النقابات يبقى داخل النقابات، ولا يخرج من بوابتها.

أما «إعلان النيّات» فله مقوّمات صموده التي تسمح له بأن يعبر هذه المعموديات الموضعية من دون أن يتشظى أو أن يتأذى، كما يؤكد المدافعون عنه. بنظرهم، ما حصل حتى الآن بين الفريقين من تشاور سياسي يتخطى هذه التباينات الانتخابية المتوقعة. ولعل أبرز ثمار هذا التشاور هو إقفال مجلس النواب بقفل الشروط التي وضعها «التيار الوطني الحر» و «القوات» اللذان لا يزالان يكثفان اتصالاتهما لبلورة صيغة مشتركة تسمح لهما بالعودة الى «بيت الطاعة التشريعي» سوياً.

ليس صحيحاً، كما يقول هؤلاء، أنّ افتراقهما في هذا المجال صار محسوماً، لا بل إن السيناريو المرجح هو عودتهما سوياً الى مقاعد التشريع إذا جرى الاتفاق مع الرئيس نبيه بري على صيغة مشتركة تشبه تلك التي حصلت ورفعت قانون استعادة الجنسية على شكل اقتراح معجل مكرر الى جدول أعمال الجلسة التشريعية.

بنظرهم، لا يجوز إهمال هذه الخطوة لما لها من أهمية على صعيد التنسيق بين الفريقين، وهو مرجح لأن يتطور ويتقدّم ليشمل قضايا أخرى، في مقدمتها قانون الانتخابات.

يجزم هؤلاء أنّ اللقاءات الحاصلة بين الفريقين ليست تقطيعاً للوقت ولا شراء له، بل ثمّة بحث جديّ عن أفكار مشتركة تجمع بين الفريقين وقادرة على تحسين التمثيل المسيحي وبإمكانها أن تعبر مقصلة التصويت في الهيئة العامة من دون أن يُقطع رأسها.

ليس بالضرورة أن ينتهي هذا التشاور بين ليلة وضحاها، ولكن القناعة المشتركة بضرورة تطوير القانون الانتخابي ليكون أكثر إنصافاً بحق المسيحيين، يجعل من هذا النقاش بنّاءً ومنتجاً، لا بل يشي بأن الأفق ليس مقفلاً بينهما.

بالنتيجة، لا خوف على «إعلان النيات»، كما يقول ناسه، فهو يحمل في بنوده ما يضمن بقاءه، لا سيما أنه محصّن بدينامية حركة تجعله مرناً قابلاً للتطوير والتطويع أمام العراقيل التي قد تواجهه، وهي محتملة. هو أصلاً ليس تحالفاً ولا تماهياً بين متشابهين ولا المقصود منه تذويب أحد الفريقين بالآخر. وإنما المطلوب ترفيع القضايا التي تُعنى بمصالح المسيحيين من مرتبة الخلاف، الى التفاهم، وإلّا فالاختلاف مع ضبط أدبيات التخاطب، هو الحكم.