IMLebanon

صرح من خيال!… فلنحفظه لنبقي الأمل

«يا فؤادي… رحم الله الهوى كان صرحاً من خيال فهوى اسقني واشرب على أطلاله وارو عني طالما الدمع روى كيف ذاك الحب أمسى خبراً وحديثاً من أحاديث الجوى وبساطا من ندامى حلم هم تواروا أبداً وهو انطوى« (ابراهيم ناجي)  

غريبة أنشودة الأطلال شعراً ولحناً، فهي تبدو كتمثال أبي الهول الشاهد على العصور رغم أنفه المجدوع، أو كمعبد أبي سنبل الصامد أمام مزاجية نهر النيل، ليبقى ويروي حكايات «رع» و»حورس» و»ايزيس» و»اوزيريس«.

وابراهيم ناجي في قصيدته يروي مأساة الحتمية، التي تأتي في كثير من الأحيان، لتعلن نهاية قصص تجتمع فيها السعادة المؤلمة مع الألم السعيد، ومع ذلك تأخذنا هذه النهاية بالمفاجأة، على الرغم من معرفتنا المسبقة بأنها آتية.

في قصيدة لـ«جاك بريل» عنوانها «أمن المستحيل أن نموت وقوفاً؟» يقول: «وهكذا نجثو أمام كل حب جديد… مؤمنين بأنه الأول وأنه الأخير… وأنه الحقيقة المطلقة«.

هكذا كان نهار الرابع عشر من آذار سنة ، يوم يشبه الحب الجديد الذي يبهرنا بجماله فنظن أنه الحب الاخير، رغم عشرات تجارب الحب المسفوحة السابقة، لأنه في تلك اللحظة مثل الأمل بالفرح العظيم بعد اليأس حتى من الأمل.

الرابع عشر من آذار لم يكن لا القادة ولا الأحزاب ولا حتى عدد من النواب أو الوزراء أو الحكومات ولا المناصفة الظالمة والمثيرة للشفقة في الوظائف العامة، لأنه إن كانت على صورة الماضي الذي ثرنا عليه فهو مجرد مشروع يأس جديد.

الرابع عشر من آذار ليس الاجتهادات الركيكة لكل قائد على حدة، وليس استغفال القائد للآخر في صفقات جانبية يظن أنه يكسبها بالتذاكي والحربقة على حساب رفاق الدم.

الرابع عشر من آذار ليس لاعباً في السياسة ولا مشروع سلطة، ولا جزءاً من حلف إقليمي أو مؤامرة دولية، وهو بالتأكيد ليس ورقة في جيب قادة اعتلوا المنابر أثناء دفن كل شهيد جديد سقط على طريق الجلجلة الطويل، ليؤكدوا الإستمرار في درب الشهادة.

الرابع عشر من آذار هو ضمير بضعة ملايين من اللبنانيين ورثوا أرضاً وتاريخاً مثقلاً بالهواجس والهموم والدم والدموع، فقرروا الإنطلاق من جديد من دون أفكار مسبقة ولا أحقاد موروثة، لبناء بلد لأبنائهم يليق بأحلامهم وقدراتهم. بلد متحرر من الأوهام والأساطير يعطي الفرصة للمستحق ويرعى الضعيف، بلد يقدر المبدع ويرعى العادي، بلد يعطي الأمل من خلال الجهد والعمل، لا من خلال الدم والدمار.

نحن قد نتفهم بعد الإجتهادات المختلفة، وأحيانا المتناقضة، بين قيادات الرابع عشر من آذار، وهي تعبير واضح عن أننا مواطنون أحرار لا يسوقنا قائد من وراء مذياع يصدح بصوته صعودا ونزولا من على منبر لا يعرف أحد أين مكانه، وبأننا لا ننحر أبناءنا على مذبح الأساطير، ولا يحكمنا دستور يؤله بشرا متعطشين للسلطة المطلقة ولو على حساب أرواح الملايين.

لكن كل ذلك لا يعفينا من مسؤولية التشاور والتنسيق مع بعضنا البعض، ولا يسوغ لنا نكاية الآخر أو استغفاله أو وضعه في موقع التابع القابل القانع، والأهم لا يحق لنا تخوين الرفاق لمجرد اختلافهم معنا بالإجتهاد.

اليوم في الذكرى الحادية عشرة لثورتنا المجيدة ندعو قادة الرابع عشر من آذار أن يعودوا إلى الثوابت وتجديد الأمل من خلال اجتماعهم على الثوابت وإرساء قاعدة التوافق والنقاش قبل الذهاب إلى المغامرات كل واحد عكس الآخر.

() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»