الأوضاع الاقتصادية العالمية وقرار الفيدرالي الأميركي رفع اسعار الفوائد وانخفاض اسعار النفط، مجموعة امور وتطورات تدفع بالعديد من الدول الى نفق المديونية مثل الاسواق الناشئة، وتؤدي الى تراجُع مقلق لايرادات الدول المصدرة للنفط.
اذا كانت التطورات مُضرّة بالمطلق لروسيا وايران ونيجيريا، ومجدية لدول اوروبا واليابان، الا أن البارز أن المشهد الاقتصادي لم يكن ورديا بهذا الشكل للولايات المتحدة الاميركية، كما هو اليوم. ولا يمكن القول ان النفط الرخيص يضر بالأعداء ويساعد الاصدقاء.
بعد عامين من هبوط الاسعار، تردّدت التداعيات في كل انحاء العالم، واثارت السخط الاقتصادي في فنزويلا وأجبرت روسيا على اجراء تغيير في حساباتها السياسية والاقتصادية، وقضت على آمال القادة الايرانيين بعد رفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي العام المقبل.
رغم وجود علامات تباطؤ في بعض الاقتصادات خصوصا في الصين، الا ان الانخفاض الحالي في اسعار النفط يعود بشكل رئيسي الى وفرة العرض في السوق، اذ ان كبار المنتجين يضخون المزيد من النفط وليس هناك اية حوافز لتغيير هكذا وضعية خشية انخفاض العائدات.
هذا من ناحية العرض، اما من ناحية الطلب فالوضع مختلف سيما وان التباطؤ الذي تشهده الاقتصادات العالمية مازال مستمرا، كذلك وضعية الصين اكبر مستهلكي الطاقة في العالم. اضف الى ذلك محادثات باريس حول التغييرات المناخية والتي نجحت في اظهار التزام عالمي جديد لخفض الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الاحفوري ودعم مصادر الطاقة البديلة. لذلك قد يكون العام ٢٠١٦ هو العام الذي سوف يبدأ فيه انخفاض اسعار الطاقة في التأثير على النمو في مجموعة الدول المصدرة للنفط، سيما الاوبك.
وحسب دراسات مختلفة من المتوقع ان يتراجع النمو السعودي في العام ٢٠١٦، وسوف تتأثّر دول الخليج سلبا سيما الكويت والبحرين وعمان. كذلك ايران والتي سوف يتعين عليها العمل من اجل اقناع الشركات في المشاركة من اجل دعم البنية الاساسية في مجال الطاقة وهذا ما كانت تعول عليه بعد رفع العقوبات عنها.
كذلك روسيا اذ ان انخفاض اسعار النفط زاد في تفاقم اضرار العقوبات الاميركية والاوروبية والتي استهدفت روسيا في مجالي الطاقة والقطاع المالي – كذلك فان رفع العقوبات عن ايران سوف يجعلها امام اسواق جديدة قد تنافس فيها روسيا في هذا المجال بما يعني ضغوطا اضافية على روسيا حتى لو رفعت العقوبات عنها في منتصف السنة الحالية.
هكذا نرى ان الامور لن تعود بالسوء فقط على «اعداء» اميركا انما كذلك على اصدقائها وهناك رابحون وخاسرون من جميع الجهات.
لا تقتصر خسائر النفط على الدول وعائدات خزاناتها، انما تشمل الشركات والمصارف اذ ان العديد من شركات التنقيب عن البترول تضررت بشدة بسبب انخفاض الاسعار كذلك المصارف الكبرى ومن بينها «ويلز فارجو» والتي خصصت احتياطات اضافية في حال تقصير بعض منتجي النفط والغاز في دفع قروضهم.
وحسب سكوت شيفيلد، المدير التنفيذي لاحدى الشركات الكبرى في تكساس، فان «صناعة البترول تتفكك» مشيرًا الى ان انتقال العمال الى صناعات اخرى سوف يجعل من الصعب الاستجابة بسرعة عند حدوث اي نقص في النفط.
اضف الى ذلك تأثير هذا الانخفاض على الاستثمارات العالمية سيما في القطاعات المنتجة وكون الدول المصدرة للنفط باتت في وضعية تحتم عليها الغاء العديد من استثماراتها كما في السعودية حيث ان حوالي ٢٠٠ بليون دولار من الاستثمارات في مجال الطاقة قد الغيت هذا العام (٢٠١٥). كذلك تمّ ارجاء مشاريع قادرة على انتاج ما يقارب الـ ٥ ملايين برميل يوميًا اي حوالي ٥ بالمائة من الاستهلاك العالمي.
يبقى السؤال كم من الوقت سيدوم ذلك؟ وما هي العواقب الاقتصادية سيما وان اخر مرة تراجعت فيها اسعار النفط الى حدود ٤٠ دولارا للبرميل كانت فترة ٢٠٠٨ وفي أعقاب الركود الاقتصادي الناتج عن الأزمة المالية العالمية.
لكن الامر يبدو مختلفا في الوقت الحاضر وتبعاته قد تكون على شكل تراجُع في مختلف اقتصادات الدول المنتجة والمصدرة للنفط، كذلك ستتأثر فيها المصارف والشركات كما سبق وذكرنا، والعامل الاقوى يبقى انها سوف تؤثر سلبا على مستويات التضخم المرجوة والتي يسعى اليها حكام المصارف المركزية في الدول المتقدمة.
وقد نذهب في التحاليل اكثر من ذلك ونتجاوز الشأن الاقتصادي البحت للولوج في الامور الجيوسياسية وتأثيرها ووضعية وحساسية بعض المناطق سيما الشرق الاوسط ووضعية روسيا مع اوكرانيا.
وقد يحدث هذا تبدلات سياسية لا بد منها، انما يبقى العامل الأساس في هذا السيناريو هو ان تكلفة الاموال اصبحت في تصاعد مع انخفاض اسعار النفط وهو ظاهرة تضرب ليس فقط قطاع العقارات والخدمات المالية انما العديد من القطاعات الاخرى والتي سوف تتأثر سلبا بهذا الواقع.
لذلك، قد تكون اسعار النفط المتدهورة سببا في زعزعة الاقتصاد العالمي واعادة تمحور سياسي. ويبقى التفاؤل غير وارد في ظل المعطيات العالمية الحالية .