خلال الأشهر القليلة الماضية سرى انطباع واسع لدى أوساط سياسية لبنانية عدة، خصوصا من تلك التي تدور في فلك قوى 14 آذار، أن لبنان بدا متروكا من المملكة العربية السعودية نتيجة مواجهة الفريق الداعم أو المؤيد لها في لبنان لصعوبات كبيرة انعكست على مجمل ادائه وقدراته على نحو استفاد منه خصومه في تعزيز مواقعهم سياسيا واعلاميا وعلى مستويات أخرى، وهو ما أثار تساؤلات جدية عما إذا كان ذلك يخدم مصالح المملكة او الدول العربية عموما في نهاية الامر، لأن الصورة الكبرى المبنية على صراع اقليمي حاد لا يوفر لبنان ترسم واقعا غير متوازن قياسا على توقع اندفاع ايران الى المزيد من الدعم لـ”حزب الله” في لبنان بعد رفع العقوبات الدولية عنها، في مقابل تراجع الدعم السعودي للحلفاء في الاساس، ثم راهنا للجيش اللبناني على رغم وجاهة الاسباب والمبررات المعلنة التي دفعت المملكة الى هذه الخطوة. وغالبية اللبنانيين تشعر بوطأة المواقف العدائية التي يعلنها “حزب الله” وحلفاؤه، ولا توافق عليها. وعزي تراجع اهتمام المملكة بلبنان بنسبة كبيرة الى أن العهد الجديد في المملكة واجه فور تسلمه تحديات خطيرة هائلة، من الاتفاق النووي الايراني الى اليمن والاوضاع في دول عربية عدة، بحيث ترك الامر انطباعا حتى لدى ديبلوماسيين أتيح لهم زيارة المملكة ولقاء مسؤوليها انه قد يكون صعبا جداً اثارة اهتمام المملكة بلبنان او بالوضع الرئاسي فيه في ظل اولويات اخرى اكثر اهمية. كان ابلاغ الديبلوماسية السعودية بعض الديبلوماسيات الغربية المهتمة بلبنان في ايلول الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة عن عدم ممانعة المملكة في دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، استثناء ما لبث ان ادت عرقلته في الداخل على نحو لم يكن متوقعا من المملكة، الى إضعاف الاهتمام بلبنان وتراجعه الى مرتبة متأخرة حتى صدور الموقف الاخير الذي أعلن تجميد الهبة المالية للجيش. لذلك ما تخشاه مصادر سياسية حيادية هو أن يكون للخطوة السعودية آثارها السلبية ليس على لبنان فحسب، بل على الفريق المؤيد او الداعم لها في شكل خاص، أكثر من مشاعر الغضب أو الضغوط التي يمكن ان يمارسها فريق سياسي او قسم كبير من اللبنانيين على “حزب الله” من أجل ردعه عن المضي في سياسته التي تستخدم لبنان لمصلحة محور إقليمي معين. والسبب الرئيسي لذلك أن الدعم السعودي للجيش اللبناني والقوى الامنية كان جزءا من مشروع الفريق المؤيد للمملكة في لبنان، ويُخشى هنا أن تأتي الخطوة التي اتخذتها المملكة وتضامنت معها الدول الخليجية بمفاعيل عكسية، إذا تعدت كونها صدمة معنوية قاسية يتطلب تصحيحها اتخاذ الحكومة اللبنانية إجراءات معينة لمعالجة الوضع المتأزم. فالفراغ الذي يمكن أن يتركه التراجع السعودي، ليس عن دعم الحلفاء فحسب بل عن تقديم الدعم لأبرز المؤسسات الباقية والقائمة في لبنان في هذه المرحلة، بما يرمز اليه الجيش اللبناني من دعم لنهوض الدولة اللبنانية، يمكن إيران أن تملأه بسهولة، وهي سارعت الى الاعلان عن استعدادها للتعاون مع لبنان في كل المجالات. وهذا يعني ترك المجال رحبا لتسويق الحزب انه يملك الامكانات للدفاع عن لبنان وحمايته في ظل عجز الجيش اللبناني عن ذلك وعدم امتلاكه الاسلحة اللازمة.
في أي حال، فإن الخشية من جملة انعكاسات هي أبرز ما تفاعل لدى الاوساط السياسية في الايام القليلة الماضية على وقع الصدمة التي شكلتها الخطوة السعودية، علما أن هذه الخشية ليست جديدة في الواقع. لذلك فإن الاسئلة التي تنتظر أجوبة عنها تتصل بمعرفة طبيعة الاجراءات التي يتعين على لبنان اتخاذها من أجل إعادة العلاقات مع المملكة السعودية ودول الخليج الى طبيعتها وما اذا كان يكفي البيان من الحكومة من أجل تصويب الامور ام ان ثمة ما هو مطلوب اكثر من ذلك باعتبار ان رد الفعل الداخلي كان قويا ورافضا كليا وأربك قوى 8 آذار بقوة نتيجة المسؤولية التي ستتحملها إزاء مفاعيل هذه الخطوة، أقله على المدى الفوري. وهناك أسئلة تتصل بمدى تأثير وقف الهبة للجيش اللبناني على برنامج الدعم الذي يحظى به هذا الجيش من اجل الاستمرار في امتلاك القدرة على المحافظة على الاستقرار، واسئلة اخرى عن مدى تأثير هذه الخطوات على الفريق الداعم للمملكة في لبنان، ولا سيما “تيار المستقبل” ورئيسه سعد الحريري، وما اذا كان الموقف السعودي يشكل اضعافا له ام على العكس من ذلك، خصوصا ان ثمة عوامل عدة مربكة على غرار استقالة الوزير اشرف ريفي على نحو مستقل، او اداء “القوات اللبنانية”. وهناك أيضا أسئلة تتصل بما اذا كانت الخطوة السعودية يمكن ان تشكل دفعا في اتجاه حسم موضوع رئاسة الجمهورية أم تؤدي الى خلط اوراق من جديد نتيجة احتدام المواقف على خلفية التصعيد والتجاذب اللذين احتدما كنتيجة للموقفين السعودي والخليجي عموما وانعكاساتهما على لبنان. وهل هذه الخطوات، في حال كانت تصب في خانة اضعاف الحريري كما رأى البعض، يمكن ان تضعف خياره الداعم لترشيح النائب سليمان فرنجية او هي تصب في خانة اطاحة امكان دعم العماد ميشال عون نهائيا بناء على اداء لصهره وزير الخارجية جبران باسيل في القاهرة وجدة.