لم يكن غريباً على جلسة مجلسة الوزراء أن تنفجر على خلفية طائفية قبيحة في التعامل مع البند المتعلق بجهاز أمن الدولة. ولم يكن غريباً كذلك أن تعجز عن حسم الملفات الملحة مثل أمن المطار، أو تخصص بعضاً من الوقت للبحث في سبل الحد من رائحة النفايات المنتشرة في كل مكان، إن لم يكن بهدف حماية صحة اللبنانيين وسلامتهم، فأقله استباقاً للزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نهاية الاسبوع المقبل!
فالقوى السياسية المكونة للحكومة بلغت مرحلة من الاستهتار والمماطلة في تسيير شؤون الدولة وبت الملفات العالقة، باتت تدفع إلى السؤال إلى متى يمكن الاستمرار في هذا المسار الانحداري، وإذا كان يأتي عمداً وفي إطار قرار تفكيك البلاد ومؤسساتها، تمهيدا للذهاب إلى دستور جديد؟
لا تستبعد أوساط سياسية مراقبة أن يكون التحلل الذي تشهده البلاد مقدمة للبحث في إعادة تكوين السلطة وفق نظام محاصصة طائفية جديد، يأخذ في الاعتبار ميزان القوى في البلاد، ولكنها لا تضع الكلام الطائفي الذي شهدته الجلسة الحكومية في هذا الإطار، وإن كانت الحجة التي تذرع بها الفريق المسيحي تكمن في حماية حقوق المسيحيين وحسن تمثيلهم في السلطة، كما في إدارات الدولة ومؤسساتها.
والواقع أن النقاش الطائفي في مسألة جهاز أمن الدولة لم يكن إلا الجزء الظاهر مما يحمله في طياته، ويعكس في حقيقة الأمر مشكلتين: إحداهما سياسية بين رئيس المجلس نبيه بري ورئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون، تُرجمت بتمنّع وزير المال عن صرف اعتمادات الجهاز من دون أن يقترن طلب الاعتماد بتوقيعي مدير الجهاز ونائبه. وهذا يقود الى المشكلة الثانية المتعلقة برغبة القوى السياسية المعنية في المخصصات السرية للجهاز، والتي تبلغ نحو 50 مليون دولار سنويا.
ولم يكن هذا الأمر وغيره من الفضائح المتكشفة تباعاً ليحصل لو لم يتم القضاء تدريجا وعلى مدى العقد الاخير من الزمن على المؤسسات الرقابية، بحيث تم تعطيل دورها ورقابتها وقدرتها على المحاسبة والمساءلة، فباتت الصفقات تجري بالتراضي السياسي ووفق مبدأ المحاصصة، فلا تصرف ليرة على مشروع أو مؤسسة او إدارة أو بلدة إلا على قاعدة التقاسم السياسي، حتى بلغت الامور مكاناً باتت معالجته شبه مستحيلة.
وعليه، تدخل الحكومة مجددا نفق التعطيل، ليس بقرار سياسي وإنما بحسابات سياسية.
وتستبعد مصادر وزارية مطلعة أن يبادر رئيس الحكومة إلى الدعوة إلى جلسة الثلثاء المقبل كما كان مقرراً، بسبب تعذر عقد جلسة في موعدها الطبيعي يوم الخميس، لوجود سلام في اسطنبول للمشاركة في مؤتمر القمة الاسلامية المنعقد هناك.
وعزت المصادر استبعادها انعقاد الجلسة إلى أن سلام المنزعج جدا من الاداء الوزاري ومستوى التخاطب الذي شهدته الجلسة، لا يريد العودة الى عقد جلسة ما لم يتم احتواء هذه الازمة وتبريد الاجواء المحتقنة التي أفرزتها، لأن الهدف من مجلس الوزراء تسيير شؤون الدولة والناس، وهذا لا يحصل إلا نادراً بعدما أصبح انعقاد المجلس يحتاج إلى غطاء سياسي، ولا سيما عند الخوض في الملفات الشائكة.
في أي حال، لا يزال أمام رئيس الحكومة متسع من الوقت قبل توجيه الدعوة الى الجلسة، خصوصا أنه لم يوجه أساساً أي دعوة، بل اكتفى في بداية الجلسة بتبليغ الوزراء أن الجلسة ستكون الثلثاء بدلا من الخميس، وذلك قبل أن تندلع السجالات الحادة بين الوزراء، والتي غيرت رأي رئيس الحكومة في نهاية الجلسة. ولأن البحث سيستكمل في جدول الاعمال السابق الذي توقف عند البند 40، لن يكون ثمة حاجة الى مهلة لتوجيه الدعوة.
ونشطت الاتصالات أمس لمعالجة ذيول الجلسة الاخيرة، خصوصاً بعدما شعرت غالبية القوى بأن الامور خرجت عن سقفها. وفي هذا الإطار، سجل لقاء بين وزير السياحة ميشال فرعون ووزير المال علي حسن خليل. وكشف فرعون لـ”النهار” أن الاجتماع خصص للبحث في تسيير عمل المؤسسة، إن على صعيد مخصصاتها المالية أو على صعيد مجلس قيادتها، آملا أن “تتم معالجة هذا الموضوع الذي ذهب أبعد مما يجب، تمهيدا لاستعادة المؤسسة عملها الطبيعي”.