آخر الاحاديث المرافقة لاشتباك مجلس الوزراء ووزير الدفاع، والوزير وقائد الجيش، بعد اقل من شهرين على التمديد للعماد جوزف عون: عملاً بالقانون والانتظام والانضباط في الجيش، هل يأذن الوزير للقائد بالسفر – تبريراً لتعيين رئيس للاركان – بـ«أمر مهمة» أم يدير عون ظهره له – على النحو المعتاد – كأنه غير موجود؟
ما ان تصدر الجريدة الرسمية متضمنة مرسوم تعيين اللواء الركن حسان عودة رئيساً للاركان في جلسة مجلس الوزراء في 8 شباط، تُوثَّق سابقة مرسوم لا يحمل عملاً بالمادة 54 في الدستور توقيع الوزير المختص.هي حتماً المرة الاولى مذ وُضع دستور 1990 موضع التنفيذ. المرة الاولى والفريدة ان يصير الى تطبيق المرسوم كأن شيئاً لم يحدث، الى ان يتقدم احد ما متضرر بمراجعة طعن فيه لدى مجلس شورى الدولة الذي اختبر قبلاً في ظل دستور 1926 حالاً مماثلة الى حد، نجمت عن خطأ اكثر منها فعلاً سياسياً متعمداً وانتهاكاً مقصوداً للدستور.
الحالة الاولى تلك نشأت ابان انقسام الحكومتين بترقية الحكومة العسكرية برئاسة الرئيس ميشال عون العميد منير مرعي الى رتبة لواء عام 1990، قبل ان يصير بعد الانتقال الى مرحلة اتفاق الطائف الى كسر قائد الجيش العماد اميل لحود الرتبة السنة التالية لصدورها عما عُدّ سلطة غير شرعية. نظر مجلس الشورى في مراجعة مرعي طعنه بمرسوم كسر رتبته (1991)، كي ينتهي الى إبطال مرسوم 1990 لاسباب شتى، ابرزها ان عون عندما رقى مرعي – وكان الى كونه رئيساً لمجلس الوزراء وزيراً للدفاع – وقع المرسوم بالصفة الاولى دون الثانية الملزمة كتلك.
انتهى قرار مجلس الشورى برقم 74 في 16 تشرين الثاني 1995 الى تثبيت قاعدة مفادها الآتي:
«المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء المنوطة به موقتاً صلاحيات السلطة الاجرائية او صلاحيات رئيس الجمهورية يجب ان تصدر بعد موافقة مجلس الوزراء، وان تحمل على الاقل اضافة الى توقيع رئيس مجلس الوزراء توقيع الوزير المختص او الوزراء المختصين، كما لو كان المرسوم صادراً عن رئيس الجمهورية. كما ان عبارة موافقة مجلس الوزراء، كأحد الاصول الجوهرية التي يفرضها الدستور، لا تعفي مطلقاً من عدم تقيّد المرسوم بالاصول الجوهرية الاخرى التي يفرضها الدستور ايضاً بالنسبة الى كل قرارات رئيس الجمهورية، او بالاحرى المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء المنوطة به ممارسة السلطة الاجرائية.
توقيع رئيس مجلس الوزراء على ان المرسوم صدر عن مجلس الوزراء فقط، لا يُغني عن توقيع الوزير المختص لأن الدستور لا يولي رئيس الوزراء هذه الصفة نطاقاً يتعلق بادارته كما نصت على ذلك المادة 66 من الدستور قبل التعديل والمادة 66 في فقرتها الثانية بعد التعديل الدستوري سنة 1990. ولا ينص الدستور على ان رئيس الوزراء يمكنه مباشرة ادارة الوزارات المختلفة الا اذا أُوكل الى رئيس الوزراء ادارة وزارة ما. توقيع رئيس مجلس الوزراء على النحو الذي ورد فيه هو مثابة تأكيد توقيع رئيس الجمهورية. في هذه الحال انه صادر عن مجلس الوزراء. ولو كان صدور المرسوم لا يحتاج الا الى توقيع رئيس الوزراء لما كان الدستور قد لحظ بصراحة المادة 54 بضرورة ان يحمل توقيع الوزير المختص او الوزراء المختصين.
توقيع الوزير المختص ليس امراً شكلياً لازماً فحسب، بل من المقومات الجوهرية لتكوين المرسوم لتعلقه بالصلاحية. وعلى هذا فإن خلو مرسوم ما من توقيع الوزير المختص يجعل من هذا المرسوم عملاً ادارياً باطلاً لصدوره عن سلطة غير صالحة».
عندما اصدر مجلس شورى الدولة القرار هذا برئاسة القاضي جوزف شاوول كان يضع، في المرحلة الجديدة في البلاد، زيحاً بين الفوضى التي نشبت بين حكومتين انقسمتا على ذواتهما وعلى الشرعية الدستورية، وبين حقبة اذنت – او كما يُفترض – بالعودة الى الانتظامين الدستوري والسياسي. لم تخلُ حقبة الحكومتين (1988 ـ 1990) من شوائب وأحياناً اخطاء تبادلتاها، بيد انهما راعتا، بحد ادنى، الشرعيتين الدستورية والقانونية. رفض الرئيس سليم الحص آنذاك تعيين قائد آخر للجيش بالاصالة هو اللواء سامي الخطيب لتفادي الامعان في انقسام المؤسسة العسكرية ووافق، بقرار فقط يصدر عن وزير الدفاع الرئيس عادل عسيران لا بمرسوم، تعيينه قائداً بالوكالة.
ما حدث اخيراً غير مسبوق في ما رافق جلسة الخميس الفائت او تلاها:
1 – التأم مجلس الوزراء بنصاب الثلثيْن، بيد ان طرح تعيين رئيس للاركان اصطدم بأكثر من تحفظ ابداه ثلاثة وزراء. اثنان منهم افصحا عن اعتراضيْن مختلفين: سعادة الشامي على التعيين في ذاته، وعصام شرف الدين على الاسم المقترح. تحفّظ الثلاثة كاف لافقاد التصويت نصاب الثلثين. لم يُدوَّن في المحضر رسمياً اعتراض الوزراء الثلاثة ولم يُصوّتوا ضد التعيين كما تردد، مع ان بين الحاضرين مَن كشف ان ثلثيْ نصاب الانعقاد لم يكونا كذلك عند اتخاذ قرار التعيين.
2 – ليست المرة الاولى يُدفَع الجيش في قلب الانقسام الداخلي، الا انها من المرات القليلة – وقد تكون اكثرها نتوءاً – ادخاله في نزاع دستوري نشأ عن خلاف قائده العماد جوزف عون مع وزير الدفاع موريس سليم، وهو رابع وزير للدفاع يتناحر معه، كما عن خلاف بين عون وأفرقاء سياسيين يخوضون ضده مواجهة مباشرة وغير مباشرة.
لم يكن مستعصي الفهم والتفسير عجز المجلس الدستوري – المنوط به احقاق الحق – عن اتخاذ قرار، اياً يكن، في دستورية قانون تمديد ولاية القائد، وليست المرة الاولى يقدم برهاناً على استسلامه لارادة السياسيين بتقاسمهم عضويته. كذلك لن يكن صعباً توقع الموقف الذي سيكون عليه مجلس شورى الدولة عندما ينظر في مراجعة طعن في مرسوم تعيين رئيس للاركان.
في ما مضى كان يروى عن الامين العام السابق لمجلس الوزراء الراحل سهيل بوجي طوال 15 عاماً قوله: «نحن مستشاري مجلس الشورى عندما نُنتدب الى الوزارات لابداء رأي او استشارة، ليس علينا سوى ان نقول لا، وليس نعم. ان نمنع المخالفة ولا نغطيها». تقيم القاعدة الاساسية في مراجعات الطعن لدى مجلس الشورى في مبدأ حماية شرعية القرارات والاعمال الصادرة عن السلطة الاجرائية من تجاوز حد السلطة، ما يبرر – او يقتضي ان يبرر – ميل القضاء الاداري في اجتهاداته الى التساهل، كما التوسع، في قبول مراجعات الطعن وإبطال القرارات المخالفة.
المرسوم يفرّخ اكثر من سابقة منذ الآن: لكل سلطة عليا تجاوز سلطة دنيا
بيد ان المرسوم المُقر اخيراً انطوى على مشكلتين على الاقل ما ان كُرِّس سابقة تعمّد فيها مجلس الوزراء مخالفة الدستور وأحكامه: اولاهما ان ما سرى على وزير الدفاع من شأنه ان يسري على اي وزير آخر في ما بعد بتجريده من صلاحياته في القانون، وتجاوز اختصاصه في الدستور (بالتأكيد باستثناء السوبر وزراء). ثانيتهما اطلاق العنان لكل سلطة عليا تجاوز السلطة الدنيا في اتخاذ قراراتها، يسري بدوره على علاقة الوزير بالمدير العام، فيتخطاه بقرارات يملك المدير العام حق الاقتراح فيها. يصح ايضاً ان يفعل وزير الدفاع ذلك بتعيين لا يأبه به بحق قائد الجيش في الاقتراح.
3 – كل متضرر او ذي مصلحة له التقدم بمراجعة طعن في مرسوم تعيين رئيس الاركان. من المؤكد ان ليس ثمة مَن سيفعل من بين الضباط المفترض انه صار الى الافتئات على حق مكتسب لهم. في القانون الحق متاح لكل ضابط يعتقد انه متضرر وذو مصلحة. في الواقع لا يسع مجلس شورى الدولة القبول بمراجعة طعن لا يتقدم بها ضابط درزي آخذاً في الحسبان واقع أعراف جارية وتفاهمات سياسية وزعت المناصب بين الطوائف والقوى السياسية.
بيد ان الجدل الجاري حديثاً على هامش صدور مرسوم تعيين رئيس للاركان يدور من حول اختصاص الوزير في التقدم بمراجعة طعن ضد مجلس الوزراء. المعلوم ان ليس لوزير هو جزء لا يتجزأ من السلطة الاجرائية وفي صلب تضامنها الوزاري، ان يفعل كون مراجعة الطعن توجه الى مجلس الوزراء برمته وممثَّلاً بالحقيبة المعنية. الا ان شقاً آخر في الجدل يقفز من فوق تحريم الوزير التقدم بمراجعة طعن الى تأكيد حقه فيها. ما يتردد عن امكان لجوء وزير الدفاع، وهو الوزير المختص، الى مراجعة طعن بمرسوم مجلس الوزراء لا يتناول المرسوم كعمل اداري مقدار توجهه الى مخالفته الجسيمة المادة 54 في الدستور، المُوجبة توقيع الوزير المختص او الوزراء المختصين في القرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية، كما عن مجلس الوزراء بتوليه صلاحيات الرئيس.