بين التجنس والتجانس، ايقاع لغوي واحد، بمعان متباعدة…
فالمرسوم الذي تخطى حدود التسوية السياسية في ليل، لم يلبث ان تعثر بسبب ثقل الحمولة، الناجمة عن فقدان التوازن. وقد حاول البعض تمرير المرسوم على رؤوس الأصابع، لكن حارس مرمى التسوية، كان لهم بالمرصاد، فتحوّل المرسوم من نعمة لدى البعض، الى نقمة على البعض، ثم لم يلبث ان امتدّ تأثيره الى المحاور الحكومية، فأبطأ من حركة التشكيل الحكومي، وأبعد الولادة المنتظرة، من عيد الفطر الى الأضحى أو قبله بقليل.
وراهن المراهنون على تغطية غبار مرسوم التجنيس، بالطعون التي قدمها الخاسرون ضدّ نتائج الانتخابات، لكن حسم الطعون زمن يطول، من هنا بقي المرسوم المنظوم في الواجهة الأمامية، فريق يطالب بنشره للاطلاع على الأسماء الكبيرة الواردة فيه، وآخر يعتبر نشر المراسيم ذات الخاصية الفردية ليس بالعرف ولا بالدستور. المطالبين بالنشر وفي طليعتهم ثلاثي ج – ج – ج جعجع، جنبلاط، الجميّل، دعموا اصرارهم بالرغبة في تقديم طعن أمام مجلس الشورى، ودون النشر لا يكون طعن، والمتحفظون على النشر، أدركوا ان المسألة بدأت تتخطى المرسوم كمرسوم، فكان لا بد من الاستجابة، تعبيرا عن حسن النيّة، ومن هنا كانت دعوة الرئيس عون للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي استبعدت مديريته عن المرسوم، لغاية في نفس يعقوب، كما يحلّل المحللون، وهي المعنية المباشرة بالأمر، وفتح اللواء ابراهيم باب الاستثبات أمام مطلق، صاحب مصلحة، بغية الاحاطة بالموضوع من كافة جوانبه السياسية والديموغرافية، فضلا عن أصدائه الاقليمية والدولية، حيث راج ان بين المجنّسين، بعض المحيطين بالرئاسة السورية، الذين يعتبرون الجنسية اللبنانية بمثابة الحصن الحصين، ضد العقوبات والتأثيرات وموانع فتح الحسابات المصرفية، والمفتاح الذهبي لجنّة لبنان الضريبية، لذلك مهما بذلوا، هم الكاسبون.
والأخطر، ان بينهم مواطنين عربا بخلفيات معارضة لأنظمتهم. وهذا ما يشكّل خرقا لمبدأ النأي بالنفس، الملحوظ في البيان الوزاري للحكومة صاحبة المرسوم…
ومع ازدياد الضغط الاعلامي والشعبي بدأ المرسوم المزموم يؤثر على تجانس المواقف الرسمية من الموضوع، وكمدخل للخروج من العاصفة الغبارية، أعلن المدير العام للأمن العام عزمه نشر المرسوم على موقع المديرية العامة، وليس في الجريدة الرسمية، حتى لا يأخذ طابع الصيرورة. وبالتالي يصبح عرضة للطعن من قبل المتحفزين للنيل منه وعلى ان يتم ذلك امس الخميس.
ولكن عشية الأربعاء نقلت معلومات عن اللواء ابراهيم، تشير الى سحب المرسوم من التداول! هذا الموقف يعني ان ثمة تفاهماً حصل، أو خلافاً احتدم…
ويبدو ان الاستنتاج الثاني كان أقرب الى الواقع، فالإدارة الأمنية رأت بخلفية مؤسساتية نشر المرسوم بما فيه، فهو مرسوم والمرسوم لا يعدّله أو يلغيه، كلياً او جزئياً، إلاّ مرسوم… بينما رأت وزارة الداخلية، بعينها السياسية، إخفاء بعض الأسماء الواردة فيه، لاعتبارات سلامتهم الشخصية والمعنوية، وانتهى الجدل بنشر المرسوم على موقع وزارة الداخلية، بدلاً من موقع المديرية العامة للأمن العام…
وهكذا دائماً، الخوف من السيّئ يوقعنا بالأسوأ…