لا يزال مرسوم تعيين وزراء بالوكالة عند غياب الوزراء الأصليين معطلاً أيضاً، بعد «غياب» وزير العدل السابق أشرف ريفي بفعل إعلان استقالته بتقديمها خطياً إلى رئيس الحكومة تمام سلام واستمراره بتصريف الأعمال. واللافت أنه في أواخر الأسبوع الماضي ظهرت اجتهادات تحلل عودة الوزير المستقيل عن الاستقالة، وإمكان رفضها وحقه في ممارسة تصريف أعمال الوزارة كأي وزير أصيل، في الوقت الذي كانت هذه القضية الدستورية ساكنة وغير مثارة على غرار ما تحفل به مؤسسات الدولة من قضايا مماثلة، مما يسمح بالاعتقاد أن الظهور المفاجئ لتلك الاجتهادات يمكن أن يكون مقدّمة لعودة ريفي إلى ممارسة صلاحياته كوزير أصيل.
وتبدو الاجتهادات المطروحة لتسويق هذا الموقف مسندة بنص صريح هو ما جاء في الفقرة الرابعة من المادة 53 ـ دستور التي جاء فيها ان رئيس الجمهورية «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة».
ويظهر من السياق الذي ورد فيه هذا النص أنه شكلي لا خياري، فلا رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة ولا الرئيسان معاً يملكان صلاحية إقالة الوزراء أو قبول أو عدم قبول استقالة الحكومة، خصوصاً وان المادة 69 ـ دستور حددت ست حالات تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، ولا يمكن لا للحكومة ولا لأي رئيس وقف نفاذ الاستقالة. وعندما يتوافق رئيسا الجمهورية والحكومة حول التشكيلة الحكومية ينتفي مبرر القول بالاستقالة. ولذلك فإن النص على صدور مرسوم يقضي «بقبول استقالة الوزراء» يكون مبنياً على حالة قائمة ونافذة الاحكام وليس من أجل انشاء حالة جديدة. فصدور مرسوم له ما يبرره وجوباً في الشكل فقط، إذ ان اعمال رئيس الجمهورية تصدر بمراسيم ومنها تشكيل الحكومات، فالوزير الذي يستقيل يعدّل ضمناً مرسوم تشكيل الحكومة ومن هنا يأتي مرسوم قبول الاستقالة كي لا تصبح الاستقالة وبالتالي الوزير المستقيل قادراً على تعديل مرسوم تشكيل الحكومة.
من هنا كرّست الممارسات اعتماد إصدار مرسوم بتعيين وزراء بالوكالة عند غياب الوزراء الأصيلين بعد تشكيل أي حكومة جديدة، ومثل هذا المرسوم ما يزال نافذ الإجراء منذ ما بعد تشكيل الحكومة الحالية. ولعل هذا ما أدى بالمشترع الدستوري إلى تحرير استقالة الوزير من أي شرط أو قيد، فمنحه حقاً حصرياً مطلقاً بالاستقالة متى أراد وشاء، بعكس الإقالة التي وضع لها أحكاماً يجب توافرها أولاً لإنشاء حالة مماثلة في مفاعيلها لاستقالة الوزير، أي ان يصدر مرسوم بإخراج «معالي الوزير» من التشكيلة الحكومية.
ولهذا فإن استقالة الوزير في الدستور اللبناني تكون مشابهة في مفاعيلها «لورقة النعي» التي تعطي علماً بوفاة المرحوم إلا أنها لا تعيده إلى الحياة، وإذا كان الاعتقاد بغير ذلك يكون الكفر المتأتي عن التطاول على العزة الإلهية.. فلا يتطاول أحد على الدستور الذي لم يعُد قادراً على تحمُّل التطاول.