IMLebanon

فكّ شيفرة كلمة سرّ جنبلاط

غرّد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط قائلاً: «أتت كلمة السرّ…الله يستر»، وأتبعها في اليوم التالي بتغريدة أخرى: «العين الساهرة وكلمة السرّ مشفّرة وحلّوها يا شباب». حتماً لم تأتِ تغريدات جنبلاط من العدم. فالزعيم الدرزي يمتلك معطيات أكيدة حول الإستحقاق الرئاسي، وتلك هي نتيجة فكّ شيفرة هذا السرّ.

لا يعجز المتابعون للحركة السياسية عن قراءة المعطيات السلبية التي توافرت لجنبلاط وهو من القلائل المؤتمَنين على هذا السرّ إن لم يكن الوحيد.

أربعة مؤشرات سلبيّة سبقت تغريدة جنبلاط وتعبّر عن رفض محور «حزب الله» والنظام السوري للتسوية الرئاسية التي يسعى اليها رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون وتحديداً حول رفض قوى 8 آذار عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة.

الأولى تبلّغها الحريري من وزير المال علي حسن خليل قائلاً له: «لا تريدون السلّة؟ فليكن، لنذهب إذاً وننتخب رئيساً ونترك رئاسة الحكومة لما بعد الإنتخاب»، وهذا يعني أنه قد ينتخب عون رئيساً لكن ليس مضموناً أنّ الحريري سيكون رئيساً للحكومة.

الثانية، تغريدة للوزير السابق وئام وهاب قال فيها: «مَن لا يحترم دماء الشهداء الذين سقطوا في سوريا دفاعاً عن لبنان بمواجهة الإرهاب لن يصل إلى أيّ موقع في لبنان».

الثالثة، تبلّغ عون رسالة من النظام السوري بأنّ الرئيس بشار الأسد لن يقبل بتولّي الحريري رئاسة الحكومة حتى ليوم واحد.

الرابعة، تغريدة لإعلامي لبناني من دمشق قال فيها «المرور بجلسة انتخابية طريق إلزامي وللعماد عون فرصة جدّية جداً للوصول إلى بعبدا. أما الحريري فإذا كلّف لن يؤلّف حكومته سواءٌ بالترغيب أو الترهيب».

إثر ذلك، أرجأ الحريري إعلان ترشيح عون نظراً إلى المعطيات السلبيّة التي توافرت له من قوى 8 آذار، وتعكس نيّات غير حميدة حيال تكليفه برئاسة الحكومة.

قرأ جنبلاط هذه المعطيات وكان قد أوفد الوزير وائل أبو فاعور مرتين إلى الرياض لإستطلاع الموقف الحقيقي للسعودية من إحتمال ترشيح الحريري لعون، إلّا أنه كان يعود كلّ مرة بإنطباع عن حالة من اللامبالاة بهذا الترشيح، ثمّ جاءت تغريدة القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري لتؤكد على تطلّعات سعودية مختلفة عن تطلّعات الحريري، ولو أعطيت تفسيرات أخرى بريئة.

ويبدو أنّ رفض النظام السوري و»حزب الله» من جهة وعدم حماسة السعودية من جهة أخرى لترشيح عون، تقاطعا وشكّلا مؤشراً أساسياً لعدم وجود غطاء إقليمي لهذه التسوية غير الناضجة، وهذا ما فهمه جنبلاط جيداً.

بقي الغطاء اللبناني لهذه التسوية الحريرية-العونيّة التي لا يبدو أنّ هناك داعماً لها سوى «القوات اللبنانية». لكن هل يكفي أن يؤدي التناغم الماروني-السنّي إلى نجاح هذه التسوية؟ حتماً لا، يعرف جنبلاط بعمق أنّ «حزب الله» لا يمكن أن يكون متلقياً ولن يرضى بذلك حتماً، لذلك جاءت كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله «حمّالة أوجه» ركّز فيها على ضرورة تفاهم عون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية. وهذا كان كافياً ليفهم الجميع أنّ «حزب الله» ليس مرتاحاً لحركة الحريري وحماسة عون ورفض البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لمبدأ السلّة.

يُدرك جنبلاط أنّ «حزب الله» من خلال ما يمثّل في التركيبة اللبنانية الإقليميّة لا يقبل إلّا أن يكون صانعاً للتسويات، واتفاق عون-الحريري لم يُراع حساسيّة الثنائيّة الشيعيّة التي كانت حتى اليوم متحكّمة بالمفاصل الأساسيّة للبلد سياسياً وأمنياً، وهنا جاء تعليق بري المعبّر الساخر «إنّ نادر الحريري وجبران باسيل يعتقدان أنهما بشارة الخوري ورياض الصلح الجديدان».

هذا الكلام يعبّر عن شعور لدى الثنائية الشيعيّة بأنها خارج التسوية ولم تحقّق أيّ مكتسبات منها. من جهة أخرى، بات جنبلاط مقتنعاً بأن لا رئيس للجمهورية في ظلِّ وضعٍ إقليميٍّ متعثّر على هذا النحو.

ويبدو أنّ إيران والنظام السوري يخوضان صراعاً كبيراً لم يظهر فيه أيّ أفق أمام تسوية محدّدة، وما دامت التسويات بعيدة، فلا مصلحة لإيران ولا للنظام السوري بتسهيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وهذا ما أفضت إليه نتائجُ مباحثات الدبلوماسيين الغربيين في إيران.

يرى جنبلاط أنّ صعوبات عدة تواجه الحريري لإعلان ترشيح عون ولا يكفي تنازل الرابية لدفع الحريري إلى القيام بمثل هذه الخطوة، ولا يصدّق جنبلاط أنّ الحريري سيقوم بترشيح عون ما دام لم يحظ بموافقة سعودية كاملة وصريحة. مع ذلك، إن قام بها فستكون مغامرة فعليّة. علماً أنّ خطوة مثل هذه ليست كافية لإنجاح عهدٍ رئاسي وخصوصاً أن لا غطاءَين إقليميَين ودوليَين لها.

لمس جنبلاط تقاطعاً لرفضٍ سوريٍّ وسعودي لتسوية الحريري-عون، ويبدو أنّ أجواء المنطقة متّجهة إلى مزيد من التصعيد ما يجعل الكلام عن رئاسة الجمهورية في لبنان في آخر سلّم الأولويّات.