على مسافة عشرة أيّام من الذكرى الحادية عشرة لـ 14 شباط، حَسَم تيار «المستقبل» خياره ووجّه الدعوات باسمه لإحيائها من دون أيّ إشارة إلى برنامج الاحتفال وخطبائه، وسط أجواء تُوحي بأنّ الكلمة السياسية ستكون للرئيس سعد الحريري، من دون أن يكون ذلك محسوماً. ما هي الأجواء التي رافقَت هذا الخيار؟
في ظلّ الغموض الذي لفَّ التحضيرات الجارية لإحياء الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، بقيَت كلّ الخيارات مفتوحة الى الأمس القريب، حيث حسِم ملف الدعوات إلى هذه المناسبة بعيداً من الأجواء التي ميَّزت السنوات العشر السابقة وحفلَت بتعدّدِ الحاضرين والخطباء من مختلف أطراف قوى «14 آذار»، ونشاطات أخرى ميّزَت بين احتفال وآخر، قياساً على شكل الحدث الذي سبَقه.
وعلى هامش النقاش الذي كان دائراً يُسجّل العارفون بمضمون المناقشات التي رافقت الاستعدادات للذكرى أنّ معظم أقطاب «14 آذار» غابوا هذه السنة عن التحضيرات.
فـ«الأمانة العامة» التي كانت تتولّى الجزء الأكبر منها على الأقل إداريّاً وتنظيمياً مشلولة منذ أشهر عدة ولم تعُد تنفَع الاتّصالات الجارية لترميم العلاقات بين أطرافها، وهي التي اهتزّت بعنف ما بين أحزابها وبين من يسمّون أنفسَهم «ممثلي المجتمع المدني» عشيّة التفاهم الذي قاد الى إنشاء «المجلس الوطني».
فكانت حصيلته المباشرة ولادةَ متعثّرة ومشوّهة للمجلس، ولم يتلمّس أعضاؤه أيّ نشاط قام أو يستعدّ للقيام به بعد انتخاب هيئته الإدارية، فنسيَ معظمهم من تركيبة الهيئة التأسيسية أنّهم انتخِبوا أو اختيروا لهذه الغاية، وغاب بعدها رئيسه عن السمع.
ويقول هؤلاء العارفون إنّ «14 آذار» التي عرفَها اللبنانيون من قبل لم تعُد كذلك، فالسباق الذي قام الى تفكيكها ظلّلته الاتهامات المتبادلة، وهي مرحلة بدأت مع التحضير للإعلان عن المجلس الوطني في السرّ بعدما نجَح أقطاب تلك المرحلة في إخفاء هزّات كثيرة تحكّمت بمواقف الأطراف، خصوصاً في ضوء الفرز الذي حصل بين ممثّلي الأحزاب الأساسية التي خسرَت أحدَ اقطابها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بعد استقالة حكومة «الوحدة الوطنية» التي كان يرأسها الرئيس سعد الحريري، وهو على باب البيت الأبيض في 17 كانون الثاني 2011 وتسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة التي أعقبَتها.
ولا ينكِر العارفون أنّ خروج جنبلاط من «14 آذار» كانت له انعكاساته السلبية، لكنّ انتظامه في الوسطية السياسية خفّفَ من الأضرار المحتملة، وأقامت مواقفه التي اتُّخِذت «على القطعة» نوعاً من التوازن السلبي مع قوى «8 آذار» بدليل انعكاساتها على الاستحقاق الرئاسي منذ الجلسة الأولى التي دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إليها في نيسان 2014، بالإضافة إلى محطات أخرى فرِزت فيها المواقف بين «8 و14 آذار».
ويضيف المتابعون لمسيرة «14 آذار» أنّ هذه المجموعة السياسية التي تجاوزت بأقلّ الخسائر الممكنة انفصالَ جنبلاط عنها حتى الأمس القريب الى أن فجّرَت خطوة الحريري بتسمية رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية العلاقات بين أقطابها، وتحديداً بين تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية»، وهو ما وضعَها امام استحقاق جديد. وزاد مِن خطورة الوضع وتأزّمه ردّ رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع بترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ما أفقدَها توازنَها الطبيعي، وجاءت القطيعة بين «بيت الوسط» ومعراب لتفرضَ واقعاً جديداً على استحقاق 14 شباط.
وأمام هذا الواقع الجديد، حسَم تيار «المستقبل» صاحبُ الذكرى والمعنيّ الأوّل بها كلَّ أشكال الجدل بتبنّي المناسبة لوحدِه، وبدأ البحث الجدّي في اجتماعات ماراتونية تتوزّع ما بين «بيت الوسط» والرياض عن شعار المناسبة، في ظلّ صعوبة الاختيار بين ما يواجهه في الداخل والخارج، فكثير من عناوين المرحلة السابقة التي اختيرت للمناسبة قد سقطت، ولا يمكن اليوم إعادة التذكير بها. فـ»السلاح غير الشرعي» قد يكون عنواناً غائباً وكذلك منطق «العبور إلى الدولة» بات صعباً في ظلّ تفكّك المجموعة، ولم يبقَ من يُعبّر عن وحدتها سوى منسّق الأمانة العامة النائب السابق فارس سعَيد الذي يَجول على قياداتها.
وإلى أن تختار قيادة «المستقبل» شعارَ الذكرى لهذه السنة، يبقى السؤال المطروح: من سيكون في الصفوف الأمامية في الاحتفال؟ وهل يمكن أن تستعيد 14 آذار وحدتَها ولو شكلياً؟ وماذا سيَحصل إنْ أقدمَ الحريري على ترشيح فرنجية؟ وفي انتظار الأجوبة، الخيال واسع أمام سلسلة من السيناريوهات التي ستميّز الذكرى هذه السَنة… لننتظر ونرَ؟!