حرب الخامس من حزيران ١٩٦٧ ليست ذكرى في التاريخ بمقدار ما هي تاريخ مستمر في الحاضر. والهزيمة بعد نصف قرن تبدو أعمق من الصدمة القوية والعميقة التي شعرنا بها في تلك الأيام. فما حدث في ستة أيام لم تتوقف مفاعيله خلال خمسة عقود. وما كان هزيمة عربية أمام اسرائيل صار اليوم مجموعة هزائم عسكرية وسياسية وثقافية. بعضها أمام ثلاث قوى اقليمية تدعمها قوى دولية. وبعضها الآخر أمام أنفسنا، حيث انحسر تيار العروبة ومفهوم الأمن القومي العربي في مواجهة المدّ الواسع للتيارات الأصولية الدينية والطائفية والاتنية وكل القوى الظلامية التي تمارس الارهاب وتضع ثقافة القتل فوق كل الثقافات. والذين تولوا خداع النفس والآخرين بتخفيف الهزيمة الى نكسة، عجزوا عن طيّ صفحة ١٩٦٧ بفتح صفحة ١٩٧٣ وما تلاها في ادارة الحرب والمفاوضات.
ذلك ان شعار تحرير فلسطين قبل حرب ١٩٦٧ صار بعدها ازالة آثار العدوان: المطالبة بالعودة الى حدود ٤ حزيران في سيناء وغزة والضفة الغربية والجولان مقابل السلام مع اسرائيل. وما جرى بعد معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل ومعاهدة وادي عربة بين الأردن واسرائيل واتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل هو التسليم بالتخلّي عن الخيار العسكري لاستعادة الأرض والتعثر في مفاوضات الخيار السياسي. لا بل ان تكريس الهزيمة اكتمل بالتوقف حتى عن الاستعداد للثأر.
وعلى العكس، فان اسرائيل حافظت على ما خططت له من البداية. ويروي ناتان ثرول من مجموعة الأزمات الدولية في مقال نشرته النيويورك تايمس موجز حوار دار في اجتماع عقده حزب ماباي الحاكم بعد ٣ أشهر من حرب حزيران لمناقشة مستقبل الأرض المحتلة حديثا. إذ سألت غولدا مئير رئيس الحكومة ليفي أشكول: ماذا خططت لفعله بالنسبة الى أكثر من مليون عربي يعيشون حاليا تحت الحكم الاسرائيلي؟ ردّ أشكول بالقول: فهمت. أنت تريدين المهر لكنك لا تحبين العروس. فقالت مئير: روحي تشتاق للمهر، ودع آخر يأخذ العروس. ولا شيء تغيّر. الثبات على التمسك بالأرض، والتفكير في ما يجب فعله بالشعب.
وما دامت المعادلة في اسرائيل هي ان كلفة الاحتلال أقل من كلفة المطلوب لانهائه، فان الردّ الضروري على المعادلة هو القيام بأعمال تزيد من كلفة الاحتلال. وهذا، مع الأسف، ليس على جدول الأعمال. وما يزيد من خطورة الواقع هو الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة، والحروب الدائرة في سوريا والعراق واليمن، وما تفرضه محاربة الارهاب من استنزاف قوى، ودعوة قوى اقليمية ودولية الى دخول المسرح العربي للمشاركة في قتال داعش والقاعدة.
كل الحروب باستثناء الحرب لتحرير الأرض المحتلة.