Site icon IMLebanon

هزيمة لوبن وإنقاذ أوروبا

يعتقد كثيرون أنّ فوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية يشير الى بداية نهاية موجة الشعبوية التي اجتاحت أوروبا منذ الـ Brexit. إنما من المؤكد أنّ انتصار ماكرون على لوبن ليس بالنبأ السار لفرنسا وأوروبا، وقد يكون من السابق لأوانه تفسير هذا الفوز بأنه بداية نهاية الشعبوية في فرنسا والغرب.

مما لا شك أنّ في انتصار Macron تراجع للشعبوية الأوروبية لكنّ المخاطر لا تزال تهدّد فرنسا ودولاً غربية أخرى.

فبادئ ذو بدء حتى مع فوز ماكرون السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان سيكون قادراً على أن يحكم بفعالية وبالتالي تلبية رغبة عميقة عند فرنسا في التغيير الجذري، وهل يكون قادراً على سن السياسات وحشد الدعم من يمين الوسط التقليدي واليسار الاشتراكي أو كليهما لا سيما وأنّ حركته «En marche» من غير المحتمل أن تحصل على الغالبية في الانتخابات البرلمانية الواقعة في حزيران من هذا العام.

وحتى إذا حالفه الحظ في ذلك فهو بحاجة الى برنامج قادر على معالجة مشكلات فرنسا الاقتصادية والاجتماعية في جوّ من انعدام الثقة بين المواطنين الفرنسيين تجاه النخب التقليدية والمؤسسات.

وحتى الآن وعلى ما يبدو أنّ اقتراحات ماكرون الاقتصادية تتداخل الى حدّ كبير مع سلفه هولاند وأدّت الى جدل سياسي واقتصادي عنيف لا سيما دعواته الى إجراء إصلاحات في سوق العمل وتعيين العمال وتحديد الاجور، أضف الى ذلك تحدّيات جمّة لا سيما الاجتماعية منها والتي تتمثل في نجاحه في إقناع الفرنسيين في الليبرالية الاجتماعية والانفتاح على الهجرة والتوفيق بين ذلك وبين معايير الثقافة الفرنسية التاريخية وقيمها، ناهيك عن مدى نجاحه في التقليل من نسب الفساد وسلطة النخب الفرنسية.

والسؤال الاهم يبقى هو كيف يرى الاقتصاديون فوز ماكرون في الانتخابات لاسيما الذين يرون في ماكرون افضل المرشحين لتحسين سوق العمل ومواصلة ترابط فرنسا مع الإتحاد الأوروبي؟ حسب جوليان Manceaux احد كبار الاقتصاديين في بنك ING في بروكسل إنّ «فوزه سوف يكون ايجابياً لاوروبا وللاستثمارات فيها»، أما في ما يتعلق بسوق العمل فالمشهد اقل تفاؤلاً إلّا إذا ما أكمل سياسته الاقتصادية بإصلاحات عمالية قوية.

والاستطلاعات أعطت ماكرون هذه النسبة في ظل تشرذم قوي داخل الاحزاب الرئيسة في فرنسا، ولكنّ الرئيس العتيد يفتقد الى قوة حزب تدعمه، ومن غير الاكيد أنه سوف يستطيع تشكيل أيّ كتلة نيابية في الانتخابات التشريعية المقبلة ومن المؤكد لغايته أنّ فرنسا مشرذمة أكثر من أيّ وقت مضى وهزيمة لوبن لن تكون كافية لإنقاذ فرنسا وأوروبا معها رغم كل ما وعد به ماكرون من اصلاحات داخل فرنسا وفي الاتحاد الاوروبي.

أما الاكيد فهو أنّ انكلترا ورئيسة الوزراء تيريزا ماي ستواجهان صعوبات في المفاوضات مع الرئيس الجديد لا سيما وأنه اكد أنّ بريطانيا لن تكسب الكثير من التنازلات جراء انفصالها عن الاتحاد الاوروبي وسوف يحاول اقناع المصارف والشركات تغيير خياراتهم والانتقال الى فرنسا كما انه سوف يراجع اتفاقية Le touquet والتي تسمح لكل الدول في استضافة عملية مراقبة الحدود.

وقد تكون من اهم القضايا التي سيواجهها ماكرون العلاقة مع روسيا وما اذا كان سيسعى من اجل تحسين هذه العلاقة ومن ضمنها تخفيف العقوبات والتي تكلف اوروبا وروسيا معاً اكثر من ١٠٠ مليار دولار خسارة في التجارة والاعمال.

أما من الناحية الاقتصادية والاثر المحتمل على اليورو فهناك تباين في الرؤية تجاه تغير السلطة في فرنسا. وهناك احتمال أن يرتفع اليورو ضد العملات الرئيسة بيد أنّ ذلك يعتمد على ما اذا كان يمكن لماكرون وحكومته أن يقرّرا تدعيم السياسات المالية والنمو في فرنسا والاتحاد.

هذا علماً أنّ اليورو ومع المؤشرات الحالية في فرنسا بالذات واوروبا بشكل عام لا يمكن أن يبقى مرتفعاً في ظل أزمات اقتصادية في مختلف انحاء الاتحاد ولاسيما كون ماكرون يواجه تحديات كبيرة وعليه ايجاد كيفية لمعالجة معدلات البطالة المرتفعة وكونه أيضاً مشى على خط رفيع بين سياسات مؤاتية للسوق وتعهدات مثل:

– التصويت على العمل لمدة ٣٥ ساعة في الاسبوع

– مرونة في سن التقاعد وبدلات بعض العمال.

– واجب الدول القوية داخل الاتحاد في مساعدة الدول الأخرى من أجل تعزيز المالية العادلة.

– تعيين مفوّض لدى بروكسل لتنسيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية بين دول اليورو الـ ١٩.

أضف الى ذلك تحديات الازمات المالية الاوروبية وكيفية معالجتها وعلى سبيل المثال أزمة الديون اليونانية والذي اعتُبر فيها فرنسوا هولاند لاعباً رئيساً في المساعدة على ايجاد حل لأزمة الديون هذه لذلك قد يرى الرئيس الجديد نفسه ملتزماً اقتصادياً تجاه هذه العملية وقد يجد نفسه في معركة مع دول مثل المانيا من اجل تحديد جوهر السياسة الاقتصادية الاوروبية.

هكذا نرى أنه وبعد حملة انتخابية صاخبة تمكّن Macron من أن يصبح أصغر رئيس فرنسي محطماً الرقم القياسي الذي حققه لويس نابليون الذي انتخب في عام ١٨٤٨ عن عمر يناهز الـ٤٠.

أما عبء المهمة قد يبدأ مع تأليف حكومة موقتة ريثما تجرى الانتخابات في حزيران من هذه السنة وعليه أن يؤمّن أكثرية برلمانية تمكّنه من أن يحكم ويحقق وعوده.

أما اليورو فمستقبله ما زال غامضاً وغير موثوق به طالما اقتصادات الدول الاوروبية على حالها ولم تستطع المحاولات التي بذلها المركزي الاوروبي تغيير الصورة بشكل جذري، وإذا ما لاقى انتخاب Macron ارتياحاً في اوروبا والمانيا بالاخص يبقى القول إنّ اوروبا ما زالت تحكمها سيدة وهي بالطبع ليست مارين لوين.