فاشلون في السلطة.. وفاشلون في الثورة على السلطة؟
هل سيكون هذا هو حكم التاريخ على أبناء «الهلال الخصيب» الذي حاول يوًما زعيم الحزب القومي السوري الراحل٬ أنطون سعادة٬ أن يميزهم عن باقي العرب٬ جغرافًيا واجتماعًيا وحتى حضارًيا؟
أوليس لافًتا أن تكون أمة أنطون سعادة السورية بما فيها شبه جزيرة سيناء المسرح الرئيسي لنشاط أكثر التنظيمات التكفيرية تشدًدا؟
أَو ليس لافًتا أيًضا أن تعجز أي حركة قومية٬ عربية كانت أم سورية٬ وعلى مدى أكثر من تسعة عقود من الزمن٬ في أن تطيح بحدود «سايكس بيكو» الجغرافية المصطنعة فتترك هذا المجد القومي لأكثر الحركات التكفيرية تزمًتا «داعش» وأخواتها؟
أَو ليس لافًتا٬ أيًضا وأيًضا٬ أن تصبح «شعوب» الهلال الخصيب في القرن الحادي والعشرين قرن التنور والحريات مشرذمة طائفًيا ومتناحرة مذهبًيا ومشتتة ديمغرافًيا على كل دار تفتح حدودها للنازحين؟
مناسبة هذه التساؤلات٬ عشية انعقاد مؤتمر جنيف لحل النزاع السوري٬ ما يجري من تصعيد في عمليات النظام السوري العسكرية ضد المعارضة بدعم جوي ولوجيستي فاعل من روسيا٬ وكل ذلك وسط استمرار «غموض» الموقف الأميركي من التسوية٬ وتحديًدا من دور الرئيس بشار الأسد٬ فيما سمي بالمرحلة الانتقالية للتسوية.
الرئيس الروسي٬ فلاديمير بوتين٬ واضح في موقفه السوري٬ فهو يقول إنه لا يتدخل في شؤون سوريا الداخلية (في ماعدا دّك مواقع المعارضة المستعصية على قوات نظامها) وأن مهمة موسكو الرئيسية٬ هي مساعدة القيادة السورية «الشرعية» في القضاء على الإرهابيين (تعويًضا عن دعمها السياسي والعسكري لمقاتلي النظام «الشرعي» في أوكرانيا) وعليه يترك بوتين خيار تحديد نظامها المقبل للشعب السوري الذي لم يتبَق أكثر من ثلثه داخل الأراضي السورية.
أما العنوان الغامض في مؤتمر جنيف٬ فلا يزال الموقف الأميركي من المرحلة الانتقالية٬ ففيما تؤكد روسيا التزامها الكامل بإنقاذ نظام الأسد من الانهيار٬ من خلال فرض لائحة ثالثة من المفاوضين (بصفة مستشارين)٬ لا يقدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري٬ بالمقابل٬ ضمانات لأي حل سياسي٬ كما ذكرت مصادر المعارضة السورية في الرياض.
إذن٬ بعد أكثر من أربع سنوات من القتل والتقتيل والدمار والتهجير٬ ينعقد مؤتمر جنيف لتسوية النزاع السوري٬ بمشاركة غير متوازنة بين وفد حكومي تشكل روسيا ضمانة ثابتة له٬ ووفد معارض لا يثق تماًما بنيات «حليفه» الأميركي وموقفه الرسمي.
هذا الخلل في المعادلة المفترضة بين الوفدين السوريين تدركه موسكو تمام الإدراك وهي التي سعت حثيًثا لفرضه بتدخلها العسكري المباشر في سوريا. وغير خاٍف أن عمليات التنسيق الميداني الروسي السوري المتسارعة عشية انعقاد مؤتمر جنيف٬ هي المقدمة العسكرية للتنسيق الدبلوماسي المتوقع مع النظام السوري في جنيف.
بمنطق سياسي واقعي٬ لا بد من التسليم بأن «كلمة» روسيا في النزاع السوري٬ باتت أقوى بكثير من «كلمة» الولايات المتحدة بحكم وجودها العسكري على الأراضي السورية. وإذا جاز ربط الفعل الروسي برد الفعل الأميركي٬ يصح القول بأن «كلمة» روسيا في سوريا أصبحت مسموعة أكثر من «كلمة» الولايات المتحدة منذ ما قبل تدخلها العسكر٬ وتحديًدا منذ أغسطس (آب) ٬2012 يوم تراجع الرئيس باراك أوباما عن تهديده الشهير للنظام السوري (بعد ثبات استعماله السلاح الكيماوي في غوطة دمشق) وتفضيله «الاستماع» إلى نصيحة الرئيس بوتين بالاكتفاء بجمع سلاح النظام الكيماوي مقابل وقف التدخل في سوريا.
ربما لا يزال الرئيس أوباما يعيش مرحلة التكفير عن مغامرات سلفه الجمهوري٬ جورج بوش٬ في الشرق الأوسط.
وربما كانت له حساباته الخارجية الخاصة التي ترجح الأهمية الاستراتيجية للشرق الأقصى على أهمية الشرق الأوسط (خصوًصا بعد انحسار ثقله النفطي)..
ولكن المؤسف أن تذكر كتب التاريخ يوًما٬ أن الشعب السوري خسر معركة حرياته بسبب التدخل العسكري الروسي٬ وبفضل «الفتور» الدبلوماسي الأميركي في دعم ثورته.