IMLebanon

توقيع وزير الدفاع على مشروع مرسوم مجلس الوزراء لزوم ما لا يلزم

 

رفضَ وزير الدفاع موريس سليم، توقيع صيغة مرسوم وصله من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، يخصّ صرف المساعدات الاجتماعية للعسكريين، وسجّل اعتراضاً عليه، ما استدعى رداً من رئيس الوزراء نجيب ميقاتي طلب فيه ضرورة تعجيل السير وإصدار مشروع المرسوم الموافق عليه من قبل مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/12/2022، وليس بالصيغة التي أعدّها وزير الدفاع، خاصة في ضوء أهميته على مستوى إعطاء الأسلاك العسكرية على اختلافها الحدّ الأدنى المتاح من حقوقها، ولأنه يجب جعلها بمنأى عن التجاذب السياسي في البلاد استناداً إلى حجج دستورية واهية.

والحقيقة أن مشكلة امتناع الوزير المختص عن توقيع القرارات والمراسيم المتّخذة في مجلس الوزراء، برزت في السابق عندما طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، من وزير العمل الدكتور شربل نحاس، توقيع مرسومي زيادة الأجور وبدل النقل اللذين كان مجلس الوزراء قد أقرّهما في جلسة سابقة ووقّعهما رئيسا الجمهورية والحكومة. إلّا أنّ وزير العمل رفض التوقيع عليهما بحجّة مخالفتهما القانون، تماماً كما يفعل اليوم الوزير موريس سليم.

ومن الناحية الدستورية، عندما يُتوافق أو يُصوَّت على مرسوم ما، يُصبح هذا المرسوم من نتاج مجلس الوزراء، حتى بالنسبة إلى الوزراء الذين عارضوه أو الوزراء المتغيّبين عن الجلسة. ويُلزم المرسوم المتخذ في المجلس، أعضاء الحكومة كافةً، فيأخذ الوزراء المعنيون به علماً بأحكامه لضبط أداء وزارتهم وعملها على أساسه. وامتناع أو رفض وزير مُختص التوقيع يشكّل خرقاً لمبدأ التضامن الحكومي أو الوزاري. إذ لا يمكن لوزير بمفرده أن يٌعطّل قراراً صادراً عن مؤسسة مجلس الوزراء. فللوزير المٌختص من الناحية القانونية أن يعترض ويوقّع أو أن يستقيل، وإلّا تجري إقالته وفقاً لأحكام البند 2 من المادة 69 من الدستور بسبب تعطيله عمل مجلس الوزراء، أو على الأقل تُسحب حقيبته ويجري إبدالها بأخرى. ولذلك، في 21/2/2012 استقال وزير العمل الدكتور نحاس، وعيّن مكانه الدكتور سليم جريصاتي.

ولعلّ أهم ما في إشكالية عدم توقيع الوزير موريس سليم على مرسوم مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 5/12/2022، هو ما إذا كان قرار مجلس الوزراء المتعلّق بصرف المساعدات الاجتماعية للعسكريين، نافذاً حكماً بمجرد انقضاء المهلة التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور، أم تبقى بحاجة إلى المرسوم لنفاذها؟

وللإجابة عن هذا التساؤل، لا بدّ من العودة إلى عام 1998 حينما اتخذ مجلس شورى الدولة خطوة جريئة أقرّ بموجبها القوة التنفيذية لقرارات مجلس الوزراء واعترف لها بصفة النفاذ، وإن لم تتخذ شكل المرسوم على اعتبارها أعمالاً نهائية وملزمة وقابلة للطعن أمامه، نافياً عنها صفة الأعمال التحضيرية. وكان ذلك بقراره رقم 459 تاريخ 6/4/1998 بدعوى شركة برموريان ش.م.ل/ الدولة اللبنانية، أو ما يعرف بمعرض رشيد كرامي الدولي، وخلاصة هذه المراجعة أنه تقدّمت الشركة المدعية بمراجعة طعناً بالقرار 86/95 الصادر عن مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 15/11/1995، والمتضمن حصر إقامة المعارض الدولية بمعرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، على الرغم من الدفع الذي أدلت به الدولة لردّ المراجعة شكلاً، لكون القرار المطعون فيه بحسب رأي الدولة اللبنانية صدر عن مجلس الوزراء فقط دون أن يقترن بأية عملية تنفيذية، وبالتالي لا يجوز الطعن به بصورة مستقلة. ولكنّ مجلس شورى الدولة ردّ إدلاءات الدولة اللبنانية، وقضى بما يلي: «بما أنّ المادة 65 من الدستور المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 أناطت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. ومن الصلاحيات التي يمارسها مجلس الوزراء استناداً إلى هذه المادة، وضع السياسات العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها… وبما أنّ القرار المطعون فيه – جاء في إطار اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق القانون المنفذ بموجب المرسوم رقم 6821 تاريخ 28/2/1973 (تحديد المهام والملاكات لوزارتي الاقتصاد والتجارة والصناعة والنفط). وبما أنّ القرار المطعون فيه يشكّل والحالة هذه، قراراً إدارياً نافذاً بحدّ ذاته، كما أنه لا يعدّ عملاً تحضيرياً أو جزءاً من عملية مركبة، فهو يعدّ من ثمّ، قابلاً للطعن لتجاوز حدّ السلطة». أي أنّ مجلس شورى الدولة اعترف بالقوة التنفيذية لقرارات مجلس الوزراء، مستنداً إلى أحكام الدستور التي تفرض صراحةً هذا الإقرار. فقرارات مجلس الوزراء نافذة حكماً بعد انقضاء مهلة الإيداع المنصوص عنها في المادة 56 من الدستور، وهي ليست بحاجة بعدها إلى مراسيم لنفاذها. كما أنّ الممارسة العملية كانت تؤكد على القوة التنفيذية لقرارات مجلس الوزراء، فخلال سنوات 2005 وحتى 2007، أصدر الرئيس السنيورة مئات المراسيم التي امتنع الرئيس لحود عن توقيعها.

ad

وقد أكّد مجلس شورى الدولة اجتهاده السابق الذكر، بثلاث قرارات حديثة لاحقة صادرة عنه. كالقرار رقم 89 تاريخ 30/11/1999 بدعوى الشركة اللبنانية ذات المنفعة العامة/ الدولة، والقرار الرقم 359 تاريخ 29/3/2001 بدعوى شركة الترابة الوطنية ش.م.ل/ الدولة التي تهدف لإبطال قرار مجلس الوزراء رقم 31 محضر 34 تاريخ 28/7/1999 في شقه الذي يمسّ حقوق الجهة المستدعية، حيث قضى مجلس الشورى حينها بما يلي: «بما أن قرار مجلس الوزراء رقم 31 تاريخ 28/7/1999 قابل للطعن وفق اجتهاد مجلس شورى الدولة قرار رقم 459 تاريخ 16/4/1998، وقد ورد صراحةً في محضر المجلس النيابي العائد لجلسة استجواب الحكومة تاريخ 29/3/2000 أن قرارات مجلس الوزراء هي التي تنشئ الحق والمراسيم لإعلانها». وأخيراً القرار الصادر في 9/7/2001 بدعوى بيار وموسى فتوش/الدولة، والذي أكد فيه المجلس بنفس الحيثيات اجتهاده المستقر.

كما أن مجلس شورى الدولة لم يتوقف عند اعتبار قرارات مجلس الوزراء نهائية وملزمة وقابلة للطعن خلال شهرين من تاريخ نشرها فحسب، بل ذهب أبعد من ذلك، إلى القول بالوجود المادي للقرار الذي يصدر عن مجلس الوزراء، وبأنّ له القوة الثبوتية. وهذا ما قضى به صراحةً في دعوى بروموريان: «بما أن المستدعية تدلي بأن القرار 86/95 غير موجود مادياً لأنه غير موقّع من المرجع الذي أصدره (مجلس الوزراء)، وبما أنّ نص القرار المطعون فيه والمنشور في الجريدة الرسمية، يستند إلى رقم المحضر 26 العائد لجلسة مجلس الوزراء المنعقد تاريخ 15/11/1995 والمتضمن توقيع أمين عام مجلس الوزراء، مما يؤكد أن القرار المطعون فيه موجود مادياً، وقد صدر عن مجلس الوزراء وفقاً للأصول القانونية المتبعة».

صفوة القول، إنّ السلطة الإجرائية مناطة بمجلس الوزراء، الذي أصبح سلطة قرار قائمة بذاتها بعد اتفاق الطائف، وما وظيفة مراسيم إصداره إلّا للإعلان عن قراراته. خصوصاً بعدما أكّد الاجتهاد المستقر لمجلس شورى الدولة نفاذ قرارات مجلس الوزراء الحكمي بمجرد انقضاء مهلة الـ 15 يوماً المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور، لأن نية المشرّع الدستوري كانت واضحة بأنه يأبى أن يترك زمام الأمور بين يديّ الوزير المختص، فهو لم يترك له التحكم بمصير هذه القرارات بصورة مطلقة، لأن في ذلك تهديداً لسلطة مجلس الوزراء، الذي تتشارك فيه جميع القوى السياسية في الحكم، وتتمثل فيه جميع الطوائف. وهذا هو جوهر الإصلاح التي أتى به الطائف، وإن القول بأن أي تفسير مخالف يعني انتهاكاً وإنكاراً لهذا التعديل. ومن هنا، فإنّ قرارات مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 5/12/2022، نافذة على أصلها بانقضاء مهلة الخمس عشرة يوماً المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور، ولا تحتاج إلى مرسوم لتنتج مفاعيلها، وهذا أمر مسلّم به أمام وضوح النص وصراحته.