IMLebanon

الاستراتيجية الدفاعية والثلاثية البديلة

 

 

تحدث السيد حسن نصر الله يوم السبت الماضي الموافق 26 كانون الثاني الى قناة الميادين التلفزيونية عن عدد من القضايا الهامة سواء لجهة الأزمات والصراعات التي تشهدها المنطقة، وسياسات إسرائيل العدوانية تجاه لبنان وسوريا، بالإضافة الى بعض المسائل اللبنانية الداخلية مركزاً على أمور المواجهة مع إسرائيل، وصولاً الى الاستراتيجية الدفاعية الوطنية التي يمكن أن يعتمدها لبنان لصد أي عدوان إسرائيلي.

رأى السيد نصر الله بأن حزب الله كان دائماً جاهزاً لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، وبأنه سبق له أن قدّم طرحاً متكاملاً أمام هيئة الحوار في مجلس النواب عام 2006، ولكن هيئة الحوار لم تقاربه بالجدية المطلوبة، كما عبّر عن جهوزية الحزب الكاملة للذهاب الى أية جلسة لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية وستكون «حقيبتنا قوية ومملوءة وليس ورقة واحدة، الورقة الواحدة تقول أن الحل ان تسلموا سلاحكم للجيش اللبناني. هل هذه استراتيجية دفاعية؟»

صحيح أن السيد نصر الله قد قدّم في الجلسة الثامنة للحوار الوطني بتاريخ 16 أيار 2006 مطالعة طويلة استغرقت سبعين دقيقة، حول المقاومة ودورها في مواجهة إسرائيل وذلك ضمن مقاربة تؤسس لاستراتيجية دفاعية تضطلع بتنفيذها المقاومة، مع دور مساند للجيش اللبناني. وقدمت المطالعة أيضاً الآلية السريعة والفاعلة في اتخاذ قرار المواجهة لأي عدوان إسرائيلي من قبل المقاومة دون الدخول في أية تعقيدات سياسية أو إدارية، وهو أمر لا يتوافر للدولة اللبنانية التي تخضع قراراتها لتعقيدات واعتبارات عديدة تؤخر اتخاذه. كما رأى السيد نصر الله بأن هناك اخلالاً في موازين القوى العسكرية التقليدية بين إسرائيل ولبنان، وبأن المواجهة العسكرية تفترض وجود توازن في القدرات العسكرية، يؤمن للبنان القدرة على احتواء أي اعتداء إسرائيلي واسع. واعتبر السيد نصر الله في نهاية مطالعته أن المقاومة تمتلك مميزات وخبرات في مواجهة العدو بالإضافة الى البيئة الجنوبية المؤاتية والداعمة لعمل المقاومة، وهي التي سمحت بهزم الجيش الإسرائيلي وطرده من لبنان دون اتفاق او تفاوض او استجابة لأية شروط يمليها العدو على لبنان. وخلص نصر الله الى أنه في وضع مثل لبنان لا يمكن تحقيق توازن مع العدو الا من خلال مقاومة شعبية.

سبق لي أن تناولت بإسهاب في كتابي «وطن بلا سياج» الرد على طروحات حزب الله للدفاع عن لبنان من خلال اعتماد خيار المقاومة. وطرحت مشروعاً وطنياً بديلاً، بإنشاء جيش وطني قادر من ناحية العديد والتجهيز لتأمين القدرات اللازمة لردع إسرائيل عن تنفيذ اعتداءاتها، وبنفس القدر من المسؤولية والخسائر التي يؤمنها خيار المقاومة.

بعد حرب عام 2006 وصدور القرارين الدوليين 1701 و 1559 ادرك اللبنانيون وبدعم من المجتمع الدولي، أهمية استعادة الدولة اللبنانية لسيادتها، وحماية حدودها الجنوبية من خلال الجيش اللبناني وبدعم من قوات الطوارئ الدولية. لكن استمرّ حزب الله في جهوده للإلتفاف على مطلب السيادة، والتمسك بسلاحه، والعمل على زيادة قدراته العسكرية، أولاً من خلال تحديه للدولة وللمجتمع الدولي بقوله في خطاب في 11 تشرين الثاني 2007 «لو جاء العالم كله لن يستطيع أن يطبق القرار 1559 في بند نزع سلاح المقاومة». مؤكداً على خيار استراتيجة المقاومة التي «تملك الرجال الرجال والسلاح الكافي، والعلم، والخطة العلمية الدقيقة المناسبة للدفاع».

مارس الحزب ضغوطه القوية على الدولة اللبنانية لاجبارها على اعتماد مقاربة الثلاثية «الذهبية» في الدفاع عن لبنان: الشعب والجيش والمقاومة، ولكنه رفض دائماً الإذعان لمطلب ربط قرار الحرب بسلطة الدولة المتمثلة بمجلس الوزراء، وهو ما زال يتمسك بحرية قراراته العسكرية في داخل لبنان وخارج الحدود، حيث تدخل الحزب في سوريا وفي عدة دول عربية أخرى، بالرغم من اعلان الحكومة اللبنانية، والتي يتمثل فيها الحزب سياسة «النأي بالنفس» ، وبالرغم من توقيعه على اعلان بعبدا الذي دعا الى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة.

على ضوء الوقائع التي فرضتها الحروب التي عصفت بدول المنطقة منذ بداية احداث «الربيع العربي»، وتدخل حزب الله وايران السافر في هذه الصراعات فإن مصالح لبنان العليا وأمنه الإستراتيجي باتت تتطلب بإلحاح وواقعية، وضع استراتيجية دفاعية وطنية، تؤمن السيادة واستعادة الدولة لقرار الحرب والسلم، خصوصاً بعد أن تأكد بأن قرار حزب الله العسكري بات يخضع كلياً لاعتبارات إقليمية لا علاقة أو مصلحة أو تأثير للبنان فيها.

بعيداً عن أية حساسيات فئوية أو وجود أية نوايا عدائية تجاه المقاومة فإننا ندعو الى ضرورة أن تتعامل الدولة اللبنانية بجدية مع موضوع ثنائية السلاح، وذلك من خلال العمل على إقرار استراتيجية دفاعية لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المحتملة من خلال استكمال بناء الجيش وتجهيزه بمنظومات الأسلحة التي تؤمن له عامل «الردع المحدود» اللازم لمواجهة التهديدات الإسرائيلية، وذلك ضمن برنامج زمني يمتد على اربع سنوات، يجري بعدها الطلب للمقاومة لتسليم سلاحها أو الخضوع كلياً لقرار الدولة، وذلك ضمن ثلاثية ذهبية بديلة تقول: بالشعب والجيش والدولة. لا تشكل هذه الثلاثية خياراً لبنانياً خاصاً حيث سبق واوردها فيلسوف الحرب كارل فون كلوزفيتز في كتابه «عن الحرب» وفي مجال عرضه لنظرية الحرب والخيارات الإستراتيجية للتحضير لخوضها.

في النهاية لا بدّ أن يدرك السيد نصر الله بأن الحجة لاعتماد خيار المقاومة في الإستراتيجية الدفاعية بأنها تعفي الدولة من تحمل مسؤولية أي أداء شعبي مقاوم، قد سقطت كلياً في ظل التهديدات الإسرائيلية بتحميل الدولة مسؤولية كل ما يمكن أن يقوم به حزب الله. تتطلب خطورة الخيارات التي تواجهها المنطقة ولبنان أن تبادر الحكومة العتيدة فور تشكيلها للدعوة الى مؤتمر للحوار الوطني يرأسه الرئيس عون لوضع استراتيجية دفاعية تستعيد الدولة من خلالها قرار الحرب والسلم، ضمن مشروع واضح لبناء جيش قادر على تأمين عامل «الردع المحدود» الذي يحتاجه لبنان في المواجهة مع إسرائيل، خصوصاً بعد أن تحوّل حزب الله الى قوة إقليمية تعمل باستقلالية مطلقة خارج سلطة الدولة.