لاقى الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الإعتبارات والتطورات التي طرحها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتي انطلق منها للقول أنّ الاستراتيجية الدفاعيّة تتطلب مقاربة جديدة. إستثمر الأمين العام الهجوم الإسرائيلي على مركزه الإعلامي بطائرتين مسيّرتين لإعادة التأكيد على حصريّة دور حزب الله والجيش السوري في معركة الجرود وهامشيّة دور الجيش الذي شارك في المرحلة الأخيرة منها، معتبراً أنّ تجاهل ذلك هو انحطاط سياسي وأخلاقي. كما أسند في الوقت عيّنه الدور الذي اعتبره مناسباً للدولة اللبنانية وللمسؤولين فيها والذي يُختصر برأي نصرالله بتقديم شكوى الى مجلس الأمن وبإجراء الإتصالات الدوليّة مع الأميركيين والأوروبيين الذين يعتبر أن الإتصال بهم هو مضيّعة للوقت، فيما اختصر الإستراتيجية الدفاعيّة للتهديد الجديد بإعلان أحاديّة الحزب في التعامل مع المسيّرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية وإسقاطها داعياًالإسرائيليين الى انتظار الردّ من لبنان .
إنّما أراده العدو الإسرائيلي من خلال استخدام هذا النوع المتواضع من الطائرات المسيّرة، والتي حملت إحداها عبوة متفجرة صغيرة الحجم استُخدمت على هدف لا يتمتع بقيمة عسكرية كبيرة سوى أنّه يقع في المربّع الأمني المقفل لحزب الله، في حين أنّه يمتلك نماذج أكثر تطوراً وأكثر قدرة على التدمير، ليس دعوة إيران وحزب الله الى المواجهة بقدر ما هو إختبار لجاهزيّة الحزب ومن خلفه طهران لذلك ومحاولة سبر نوايا طهران وردود الفعل المحتملة. وبهذا يصبح من المنطقي جداً تزامن هذا الهجوم مع الهجوم الإسرائيلي على فيّلق القدس في محيط دمشق والهجمات المجهولة المصدر على مواقع الحشد الشعبي في أماكن مختلفة من العراق وفي منطقة القائم على الحدود السورية العراقية وسقوط خسائر بشريّة في صفوفه دون أيّ ردّ على أيّ من تلك الهجمات،وربما من أجل ذلك لم تتبنَ إسرائيل الهجوم ولم يصدر أي بيان عسكري بذلك بل رفضت إسرائيل التعليق على كل ما صدر عن حزب الله.
إنّ استباق المؤتمر الصحفي للأمين العام لحزب الله بنفي طهران تعرّض مواقع فيلق القدس في سوريا لهجوم،بالرغم من صدور بيان إسرائيلي بذلك يدّعي التحضير لهجمات بطائرات مسيّرة تطال شمال إسرائيل وبالرغم من تأكيد نصرالله لسقوط عنصرين من حزب الله متخصّصين في مجال هندسة الإتصالات في الموقع المذكور،قد قلّل كثيراً من جديّة التهديدات التي أطلقها الأمين العام والتي لا يمكن أن تنفّذ دون التنسيق مع طهران ودون مواكبة المسار الدبلوماسي الذي لا زالت طهران تتمسّك به. فطهران لا تزال تحاول حضّ الشركاء الأوروبيين على دعوة أميركا للعودة الى الإتّفاق النووي مقابل عودتها الى شروط التخصيب الواردة في متنه، وقد تجلّى ذلك بوصول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى فرنسا على هامش إجتماع مجموعة السبع واستقبال من قِبَل الرئيس الفرنسي في مبنى بلدية بياريس دون أن يتمكّن من الإنضمام للإجتماع.
لا تبدو فرص الردّ المُجدي والوازن من لبنان متاحة أمام حزب الله في المدى القريب، فهو غير قادر على تحقيق التكافؤ مع العدو الإسرائيلي في مجال الطائرات المسيّرة، كما أنّ اللجوء الى ردّ كلاسيكي صاروخي على غرار ما جرى في العام 2006 سيُدخل الساحة اللبنانية في صراع مفتوح ستترتب عليه تداعيات سياسية وشعبيّة، وسيعرّض حكماً الميّزات التفاضلية التي يملكها حزب الله على مستوى التحالفات السياسية وعلى مستوى الهيمنة على القرار السياسي اللبناني للإنزلاق الى متاهات غير محسوبة، كما سيعرّض التوازن والزخم الميدانيين اللذين يؤمنهما حزب الله لإيران في الداخل السوري لخلل كبير وربما الى فراغ في لحظة إقليمية ترتسم فيها معالم إعادة توزيع النفوذ في الشمال السوري.وفي هذا الإطار يمكن فهم الإصرار الإسرائيلي على تكرار الإختبار من خلال استهداف مواقع للجبهة الشعبية – القيادة العامة في منطقة قوسايا في البقاع الأوسط بثلاث هجمات بطائرات مسيّرة بعد ساعات معدودة على خطاب نصرالله،لا سيما أنّ هذه المواقع « يستخدمها حزب الله كطرقات لتمرير ونقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان.
تضيف الإستراتيجية الدفاعيّة التي اختصرها حسن نصرالله بحزب الله في التّصدي للمسيّرات الإسرائيلية اعتباراً جديداً على التغيّرات والتطورات التي سبق وأعلنها رئيس الجمهورية، ومنها دخول دول كبرى وتنظيمات إرهابية أحدثت تغييرات في الأهداف تستدعي مقاربة جديدة للإستراتيجية الدفاعيّة. فإذا كان المقصود بالإعتبارات الرئاسية توجيه رسالة للمجتمع الدولي بأنّ حزب الله هو شريك في الإستراتيجية الدفاعيّة من بوابة دوره في مكافحة الإرهاب، فإنّ استراتيجية نصرالله الدفاعيّة في التّصدي للمسيّرات الإسرائيلية قد ألقت بالإستراتيجية الدفاعيّة والى أجل غير مسمّى في مهبّ الطائرات المسيّرة.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات