يعلم الرئيس ميشال عون، أن “حزبُ الله” ليس بوارد مناقشة أي استراتيجية دفاعية اليوم أو في أي وقت، لا يكون فيها صاحب المبادرة والقرار الأوّل، وليس مستعداً لمناقشة مسألة التخلّي عن سلاحه، ولو امتلك الجيش الشرعي القوة العسكرية الكافية لإزالة الكيان الصهيوني من الوجود ثلاث مرات. لم يراكم “الحزبُ” انتصاراته، وفتوحاته، ولم يكوّن ترسانته الخاصة، ولم يقاتل، ولم يبنِ مؤسساته، ولم يشق أنفاقه، ولم يجعل من نفسه قوة يُحسب لها حساب في الشرق الأوسط ليأتي رئيس جمهورية، أي رئيس، ويطالبه بالإنتظام ضمن الأطر التي تحددها الشرعية. مرحبا شرعية. ما للحزب للحزب. وما للدولة، للدولة وللحزب. ونقطة على السطر.
قبل عشرة أعوام، قدّم كل الفرقاء السياسيين تصوراتهم للإستراتيجية الدفاعية (مكتوبة) في جلسات الحوار التي انبثق منها “إعلان بعبدا”، كل الفرقاء استعانوا باختصاصيين باستثناء “الحزب” صاحب العلاقة، إذ اكتفى بتقديم خطب سماحة السيد، كمفهوم متكامل للاستراتيجية الدفاعية.
ومن يتوغل في خطب المرشد الأعلى ويتعمق في كلامه المرسل والشامل كل مناحي الحياة والآخرة، سيجد أجوبة على “اللامركزية الإدارية والمالية” وعلى نظرة الحزب للتعافي “الإقتصادي والمالي” وعلى ما يطلبه المشاهدون من إنتصارات. يمكن تحويل طاولة الحوار في بعبدا إلى جلسة إستماع جديدة. حتى إذا ما أخذ النعاس أقطاب الحوار، وأعمارهم لا تسمح لهم بالإجهاد والتركيز، رُحّلت الإستراتيجية ومعها بندا اللامركزية والتعافي إلى أجل غير محدد. قد يأتي أجلنا ولا نصل إلى رؤية لبنانية واحدة للاستراتيجية الدفاعية، وسبل تحرير شبعا والقسم اللبناني من قرية الغجر وتلال كفرشوبا وتحرير 300 ألف رهينة في دول الخليج العربي. نحن قومٌ لا ننسى أسرانا ولا رهائننا.
محاولة جمع الأضداد على طاولة معركة يخوضها عون في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية. عادة يخوض العماد عون معاركه منفرداً، فإن ربحها، يضع الربح في رصيد منجزاته وإن خسرها يكون ربح شرف مواجهة القوى العظمى والصغرى منفرداً في معارك تاريخية لا تُنتسى. معارك الجنرال العسكرية والسياسية وتحوّلاته الاستراتيجية مسلسل طويل. فجر يوم السبت كنت في مطار رفيق الحريري الدولي وقبل ولوجي إلى قاعة المغادرة، ألقيت نظرة إلى الخلف ورأيت لوحة إعلانية مبهرة في إضاءتها ومعلقة على جدار الموقف. اللوحة تذكر المغادِر بأهمية العودة لمتابعة “معارك عهد”. لم أكن بين المغادرين لذا كانت لي فرصة التأمل بصورة رئيس ارتبط اسمه بمجموعة معارك خيضت بكفاءة عالية، وأكثرها حماوة معركة اكتشاف النفط ومعركة التدقيق الجنائي. ليتني غادرت في حقيبة ولدي.