Site icon IMLebanon

خداع الإستراتيجية الدفاعية

 

 

ليس الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية سوى حيلة مسرحية لتغطية العجز عن مواجهة الواقع الذي فرضه سلاح “المقاومة الإسلامية”. شيء من التواطؤ الضمني بين بيروت والأمم المتحدة على التسليم بما لا نستطيع نحن ولا تستطيع نيويورك تنفيذه من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، من دون التخلي عن خطاب الدعوة الدائمة الى التنفيذ. وشيء من الخداع المزدوج في أمرين: أولهما كون الفكرة ناقصة بالمعنى الإستراتيجي. وثانيهما إننا نكرر التجربة على المواد نفسها ونأمل في نتيجة مختلفة على الطريقة التي وصفها أنشتاين بأنها “جنون مطبق”.

 

ذلك أن الدول التي تحترم نفسها تضع إستراتيجيات أمن قومي، تحدد فيها أهداف البلد وأنواع المخاطر عليه والسياسات الضرورية لخدمة الأهداف ومواجهة المخاطر. وهي إستراتيجيات معلنة يتم تطويرها مع الوقت والمتغيرات في التحالفات والعداوات. أما الإستراتيجية الدفاعية في تلك البلدان، فإنها متروكة للخبراء العسكريين. وهي متغيرة بإستمرار تبعاً للأحداث والتجارب، وليست معلنة، ولا هي حصيلة حوار بين أطراف سياسية حول طاولة. وأما نحن، فإننا نخلط الأمور ونمارس السياسة كأنها مجرد خلط بخلط.

 

والتجارب لا تزال حية في الحوارات منذ عام 2006 حتى السنوات الأولى من ولاية الرئيس ميشال عون عام 2016. أكثر من عشر سنين من الحوار والإقتراحات التي بعضها جيد ومهني وإستراتيجي، وبعضها الآخر أقل من عادي وحتى خنفشاري، من دون الوصول الى مكان. حتى ما جرى التوافق عليه كأمور لا بد منها تمهيداً للإستراتيجية، فإن تطبيقها توقف، ولا سيما حول السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. ألم يواجه “إعلان بعبدا” الذي تم الإتفاق عليه خلال ولاية الرئيس ميشال سليمان وكرسه مجلس الأمن، تنكر “حزب الله” له في اليوم التالي؟

 

يقول الجنرال جورج مارشال الذي كان رئيس الأركان ثم وزير الخارجية الأميركي ومهندس “مشروع مارشال” لإنقاذ أوروبا بعد دمار الحرب العالمية الثانية: “عندما يكون الهدف واضحاً، فإن ملازماً يستطيع كتابة الإستراتيجية”. والمشكلة في لبنان أن الهدف ليس واحداً لدى المشاركين في الحوار. هدف “حزب الله” هو الحفاظ على سلاحه وحماية دوره ضمن أية صيغة. وهدف المعارضين لسلاح خارج الشرعية هو إيجاد حل مقبول للسلاح أو أقله أن يصبح قرار إستخدامه في يد الشرعية. وقمة المفارقات هي البحث في إستراتيجية دفاعية من دون أن يكون قرار الحرب والسلم في يد الدولة.

 

أكثر من ذلك، فإن منطق “حزب الله” الأساسي هو أن الإستراتيجية الدفاعية قائمة بالفعل ومجرّبة وناجحة في تحرير الأرض كما في “توازن الردع” مع العدو. والصيغة هي أن يكون السلاح والإمرة عليه في يد المقاومة. فضلاً عن أن هذه الإستراتيجية متطورة على خطين متكاملين: خط الجمع بين البعدين الدفاعي والهجومي. وخط التوسع عبر “وحدة الساحات” في “محور المقاومة” الممتد من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان وغزة بقيادة إيران. فالبديل من “دول الطوق” التي لم تعد قائمة بعد توقيع مصر والأردن معاهدة سلام مع إسرائيل وذهاب منظمة التحرير الى “إتفاق أوسلو” هو “طوق جديد” مسلح بقوة صاروخية كبيرة. والإستراتيجية صارت أوسع من إستراتيجية لبنان وحده. وإسرائيل بدأت تعترف بلسان وزير الدفاع يؤاف غالانت أن “عصر المواجهات المحدودة إنتهى”.

 

يقول البروفسور جوزف ناي: “علينا الإنتقال من إستراتيجية الشطرنج ذات البعدين الى إستراتيجية الشطرنج ذات الأبعاد الثلاثة”. لكن المطلوب للبنان إستراتيجية شطرنج ذات بعد واحد.