IMLebanon

هل ينجح لبنان باستبدال الثلاثية بالاستراتيجية الدفاعية؟

 

يبقى القرار ببدء الحرب ابشع واخطر القرارات التي يمكن ان يتخذها انسان عاقل، فالقرار يشكل ركوب العاصفة، مع كل ما يترافق ذلك من اخطار سواء لجهة الخسائر بالارواح، او التكاليف الباهظة المباشرة او الخسائر الاقتصادية الكبرى. والمشكلة الكبيرة هي تلك التي يواجهها الشعب لسنوات طويلة من اجل تغطية اثمان الانفاق العسكري، وتسديد الديون التي رتبتها الحرب، والتي على الناس تحملها، على حساب لقمة عيشهم ورفاهيتهم.

يؤشر تاريخ الحروب الى مدى الآلام التي تكبدتها الشعوب جراء الانزلاق نحو نزاعات دامية ومسلحة، كان ممكن تجاوزها عن طريق البحث عن حلول للازمات الطارئة، من خلال اعتماد الدبلوماسية كوسيلة لحلها.

 

أراني مدفوعاً من خلال الخسائر الضخمة التي حصلت نتيجة الحرب الاخيرة التي قرر حزب لله دخولها من اجل نصرة حماس في حربها مع اسرائيل، والتي اندلعت بعد عملية «طوفان الاقصى» بتاريخ 7 اكتوبر عام 2023، والتي ما زالت مستمرة لفترة 14 شهراً، والتي خلفت دمار كل البنية الاساسية في قطاع غزة، بالاضافة الى ما يزيد عن 85 في المائة من المنازل السكنية، بالاضافة ايضاً للخسائر بالارواح، والتي فاقت في اعتقادي كل الخسائر التي تكبدتها الدول العربية في حروبها السابقة مع اسرائيل.

وكان من المفاجئ القرار المتسرع الذي اتخذه امين عام حزب لله بدخول الحرب بعد يوم واحد من الهجوم الاسرائيلي على القطاع، ودون اي تبصّر او حساب اقتصادي لنتائج هذا القرار. وهنا فإن الحساب الاقتصادي الذي يفترض بالقيادات اجراءه قبل قرار الدخول بالحرب يعني التفكير ملياً باحتساب النتائج والخسائر المرتقبة.

 

هذه هي الحسابات التي يفترض استناداً لنظرية الحرب ان يجريها اي قائد قبل اتخاذ الخطوة الاولى لدخول الحرب. وهنا نسارع الى القول بأن حزب لله لا يملك في الواقع هذه الثقافة الاستراتيجية للحرب، وليس على اطلاع بعلم نظرية الحرب، فهو تنظيم عسكري اعتاد على ممارسة اعمال المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي لسنوات عديدة، كما شارك في القتال ضد ميليشيات متطرفة وفوضوية لسنوات اثناء الحرب الداخلية في سوريا.

عاد حزب لله بعد حرب تموز 2006 الى الداخل معلناً انتصاره الإلهي على اسرائيل، فاستغله داخلياً من اجل اقامة دويلة هي اقوى من دولة لبنان الشرعية. وفرض على السلطة اللبنانية اعتماد الثالوث: الجيش والشعب والمقاومة. لكن دون ان يعني ذلك وجود اي تنسيق او تعاون او رضوخ لقرارات الدولة، فاستأثر بقرار الحرب والسلم لوحده. هذا ما فعله في حرب 2006 وكرره في حربه لنصرة غزة، دون ان ننسى قراره المتفرد لدخول الحرب السورية لسنوات عديدة.

اعتمد الحزب في وسائل اعلامه وخصوصاً من خلال الخطابات الخاصة لأمينه العام السيد حسن نصر لله سردية تقول بتوازن الرعب والقدرة على معادلة عسكرية متوازنة مع قدرات اسرائيل.

كما وصفت هذه السردية اسرائيل بأنها «أوهن من بيت العنكبوت» حيث بلغت ترسانة صواريخه ما يزيد عن 150 الف صاروخ، ومن بينها آلاف الصواريخ الدقيقة التي يمكنها بلوغ العمق الاسرائيلي، هذا بالاضافة الى ان عديد مقاتليه قد بلغ مائة الف مقاتل. لكن جاءت وقائع الحرب الاخيرة لتثبت ان موازين القوى كانت لصالح اسرائيل، بعدما فشل الحزب في تحقيق مقولة «الحماية والأمن» للجنوب وللبنان. لقد اظهر مجريات الحرب مدى سوء تقدير الحزب لقوته ولنقاط الضعف لدى اسرائيل على صعيد قدراتها النارية وتفوقها العسكري والتقني، وبقدراتها الاستخبارية، والتي برهنت عن مدى انكشاف حزب لله امامها سواء لجهة تفجير آلاف اجهزة «النداء» وشبكات اللاسلكي، بالاضافة الى مسلسل الاغتيالات لقيادات الحزب العسكرية والسياسية وعلى كل المستويات. وبالفعل فقد شكل هذا الانكشاف الامني لحزب لله امام المخابرات الاسرائيلية المفاجأة والمباغتة الكبرى، والتي لم يستطع الحزب تخفيف نتائجها او وقفها.

وكان المفاجأة الاستراتيجية الثانية للحرب بانكشاف الدور  الايراني المباشر في دفع حزب لله نحو هذه الحرب، حيث اجبرت القيادة الايرانية الى دخول الحرب بشكل مباشر مع اسرائيل من خلال تبادل القصف الاستراتيجي مع الدولة العبرية، وبما يثبت هذه المرة مقولة غسان تويني القديمة «بأن هذه الحرب هي بالفعل حرب ما بين ايران واسرائيل» وبأن الحزب قد دخلها نيابة عن ايران، وبأنه ليس للبنان وشعبه اية ناقة او جمل فيها، ولدينا كل المؤشرات والحجج للقول بأنه بعد استشهاد السيد نصر لله، سارع النظام الايراني لسد الفراغ في آلية القيادة والسيطرة، ولاثبات انه بات المرجعية الحقيقة لقرار الحرب والسلم للحزب وللبنان.

اتصفت الحرب الاسرائيلية على لبنان بأعلى درجات العنف سواء على الجبهة الجنوبية او على الضاحية وبيروت والبقاع، حيث استعملت سلاحها الجوي، المسلح بأحدث الصواريخ واشدها فتكاً وتدميراً، حيث بلغت نسبة الدمار حدوداً لم يسبق ان شهدناها في اية حرب سابقة. واستعملت اسرائيل في قتالها البري على جبهة الجنوب اربع فرق، مع عدة ألوية مستقلة من نخبها العسكرية.

عندما شعرت اسرائيل بقدرتها على فرض شروطها من خلال اعلان وقف النار، تجاوبت مع المبادرة الاميركية، وهي ما زالت تتصرف على هواها من خلال خروقاتها لوقف النار، والتي تظهر مدى هشاشة الهدنة المفروضة من قبلها.

بعد الخسائر الكارثية للحرب يأمل اللبنانيون خروج دولتهم من سياسة التكيّف مع مشيئة حزب لله وتماديه في خدمة المصالح الايرانية على حساب مصالح لبنان العليا، وأن تكون هذه الحرب الاخيرة، وأن يبادر لبنان حكومياً وشعبياً لإلغاء ثلاثية الحزب، واستبدالها بوضع استراتيجية دفاعية، تحصر الدفاع عن لبنان بالجيش اللبناني وحده.