Site icon IMLebanon

الدور المؤجل لـ«الأم الحنون»

«فرنسوا هولاند يجدد من بيروت دعم فرنسا للبنان». هل يتكرر الـ «كليشه» ذاته من تشرين الثاني 2012 إلى نيسان 2016 لزيارة الرئيس الفرنسي للبنان؟ هولاند في بلاد الأرز مطمئناً اللبنانيين من دون التزام، ملحاً لانتخاب رئيس للجمهورية من دون دور فعال، داعماً للجيش من دون تعهد، بل وأكثر. رئيس دولة عظمى تعيش حالة طوارئ، يزور بلداً مدوّلاً من دون رئيس. رئيس فرنسي يَقضم مواطنوه كل يومٍ أكثر من شعبيته، يقول لهؤلاء بالأمس في حوار معهم، إنه قادم إلى عمّان وبيروت لـ «انتقاء اللاجئين» بنفسه.

فرنسا، بعد الزيارة الأولى لهولاند إلى لبنان منذ حوالي أربعة أعوام، مهددة بالإرهاب، وتنوء اقتصادياً واجتماعياً تحت حمل ثقيل. المشهد غداً سيكون أشبه بمريضين يواسي بعضهما الآخر. الأول، وإن يخص بلداً يبقى له ثقل ووزن في المحافل الدولية، مصابٌ، في ما يخصنا، بمرضٍ جلبه لنفسه نتيجة قراءات خاطئة لملفات المنطقة، أما الثاني فبمرضٍ عضال كان لفرنسا دورٌ يوماً بإمداده بالمسكنات، وسياسة أكثر احتضاناً، ولو من باب إرث الانتداب. فرنسا اليوم فقدت زمام المبادرة، وللمفارقة، تمكن لبنان، الذي حملت له تحذيراً في 2012، من الصمود بفضلٍ لا دورَ لها فيه.

«أخشى على لبنان كثيراً». هذا ما قاله فرنسوا هولاند في الطائرة التي أقلّته من باريس إلى بيروت في تشرين الثاني 2012، وهي الزيارة الأولى التي حملته إلى الشرق الأوسط بعد انتخابه رئيساً للجمهورية الفرنسية خلفاً لنيكولا ساركوزي. قبل الزيارة، التقى هولاند رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسمع منه الكثير من «الهوس بإيران النووية». بعد تمضية بضع ساعات في بيروت، وإطلاق رسالة دعم للرئيس ميشال سليمان، غادر هولاند إلى الرياض، والتقى للمرة الأولى الملك عبد الله. سمع هناك أيضاً «هوساً بإيران النووية». كانت فرنسا تخرج في ذلك الوقت من الفلك القطري وتدخل في فضاء المصالح السعودية. لكن حياكة الملف السوري كانت قد بدأت. تقارب كبير جمع الرياض وباريس في الملفين الإيراني والسوري.. وحتى اليمني. منذ ذلك الوقت، بدأت «شهور العسل» بين البلدين، كما يسميها الفرنسيون، التي لم تنتهِ، والتي لم توظف يوماً لمصلحة لبنان.

في العام 2012، حين زار هولاند بيروت، كان لبنان يحتضن 100 ألف لاجئ. كان العبء ثقيلاً، وكان الهمس يدور حول أن الحرب السورية ستمتد لأعوام. اليوم، تتجاوز التقديرات غير الرسمية لعدد اللاجئين المليون ونصف مليون، مع «وعود» بالمساعدة، وتهويل بالتوطين. في ذلك الوقت أيضاً، لم يكن قد تبلور مدى انخراط «حزب الله» في الحرب السورية، ولكن الخشية من تمدد مفاعيل هذه الحرب إلى لبنان كانت ترن في الآذان. قبل الزيارة بوقت قصير، اغتيل العميد وسام الحسن، وتصاعدت المطالبة من قوى 14 آذار برحيل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. كانت باريس متموضعةً في الفلك الحريري، ولا تزال. حذرت من تداعيات الحرب السورية على بلاد الأرز، ومن محاولة العبث بأمن لبنان، في رسالة موجهة إلى دمشق. تمكن تدخل «حزب الله» من حماية لبنان من خطر وصول الجماعات التكفيرية إليه، فيما أصيبت فرنسا في عقر دارها، من «شارلي إيبدو» إلى هجمات باريس الخريف الماضي.

منذ الزيارة الأخيرة لهولاند إلى بيروت، عانى لبنان من الإرهاب كما عانت فرنسا، لاحقاً. الأول حاربه من دون دعم يذكر، وبإمكانيات محدودة، وبأدوار موزعة بين جيش وأجهزة أمنية ومقاومة. الثانية، بعتاد عسكري ضخم وبآلاف الجنود، ولكن من دون «مناعة». هناك اليوم من يحتاج للآخر أكثر، ولو أن الزيارة فلكلورية الطابع لـ «الأم الحنون». فسرطان الإرهاب المتفشي سيكون أكثر «تفشياً» لو وصل إلى لبنان. رغم ذلك، يأتي هولاند بعد «مذلة» صفقة السلاح وهبة الأربعة مليارات التي أفشلها حليفه الخليجي. فبماذا سيدعم؟

من خريف 2012 إلى ربيع 2016، زيارة وداع لرئيس فرنسي لم تطبع ولايته شيئاً يذكر في ذاكرة اللبنانيين. لم يستغل هولاند علاقاته المتينة بالرياض لرفد لبنان بالدعم الذي يحتاجه، سياسياً أو عسكرياً. هولاند، في الملف اللبناني، رئيس متلقٍ. الدور المؤجل لفرنسا ينتظر تبلورات أكبر في المنطقة لأزمات، منها ما يسير على طريق الحل، كاليمن، ومنها ما يتأرجح بين التهدئة والتصعيد. بعد الزيارة، ستغرق فرنسا في سنة التحضير للرئاسيات، وعيناها مفتوحتان على إرهاب «داعش». بانتظار التسويات في المنطقة، ورئيس فرنسي مقبل، سواء أكان ساركوزي أو آلان جوبيه أو مارين لوبين، أو حتى إيمانويل ماكرون الذي فرخ بالأمس حزباً فرنسياً جديداً، أو هولاند مجدداً، سيبقى لبنان حتى ذلك الوقت، ربما، متحصناً فقط بما اكتسبه من «مناعة».

هل التفاؤل مسموح بمبادرات يُحسب لها حساب خلال زيارة هولاند إلى بيروت؟ هل يجب الركون في المقابل إلى نظرية المؤامرة؟ ملف اللاجئين سيكون بنداً أول، ولو أن ما يشاع عكس ذلك، ومن بعده محاربة الإرهاب. لكن الخطط لا تحوكها فرنسا وحدها. ستعيد الزيارة بعضاً من ذكريات الزمن الجميل لبلاد الأرز، وستدق على رأس فرنسا لتتذكر. بين زيارتين، فرنسياً، الأفضل للبنان أن ينتظر «الزيارة الثالثة».

ديبلوماسية الاقتصاد.. ومبادرة يتيمة

لم تتمكن فرنسا في عهد فرنسوا هولاند من طرح مبادرات فعالة لحل الأزمات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، بل رسمت لنفسها خطاً ضمن محور معين، وسارت منتهجة سياسة «الديبلوماسية الاقتصادية» التي يعتبر هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس عرابيها الأساسيين، ما تمخض عن تقارب فرنسي ـ خليجي، وسعودي خصوصاً، وحاولت الاستفادة من التراجع الأميركي في المنطقة في عهد باراك أوباما.

تطرح فرنسا حالياً مبادرة تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، داعية لعقد مؤتمر في هذا الشأن في باريس. وعينت مبعوثاً خاصاً جال على عدد من العواصم العربية. وفيما ترحب السلطة الفلسطينية بالمبادرة، ترفضها حكومة بنيامين نتنياهو. وتنطلق المبادرة خصوصاً من امتعاض أوروبي من الجمود الحاصل في عملية السلام، واستمرار وتوسع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.