IMLebanon

الحرب المؤجلة في لبنان

 

تمكنت التحركات الاقليمية والدولية من وقف اندلاع الحرب الاسرائيلية على لبنان بعد عملية الشد المتبادل بين اسرائيل وحزب الله، التي شهدها الشهر الماضي، وكان الابرز في فصولها عملية القنيطرة الاسرائيلية في الاراضي السورية، ورد حزب الله في مزارع شبعا بجنوب لبنان، ولئن منعت التحركات اندلاع الحرب، وحاصرت مقدماتها في عمليتي القنيطرة ومزارع شبعا، وقد سقط فيهما قتلى وجرحى من الطرفين، فان من الصعب القول، انها فككت عوامل تفجيرها السياسية والعسكرية، التي ستظل حاضرة في احتمالات الحرب في لبنان بانتظار حصول تطورات، تشعل الحرب بين اسرائيل وحزب الله.

واول عوامل التفجير السياسي في حرب مرتقبة،مثله الادعاءات، التي ظهرت في خطاب حسن نصر الله الاخير، وصورت حزبه باعتباره قوة اقليمية مؤثرة وحاسمة، بما يتجاوز وجوده الجغرافي واهدافه المحدودة سواء لجهة علاقاته مع كل من إيران ونظام الاسد وصيروته ذراعاً لهما، او لعلاقاته التي يقيمها مع تنظيمات وجماعات، ترتبط به مباشرة او تسير على نهجه، وقد اعلن دعم الاولى، كما في البحرين، وتأييده للثانية مثل موقفه من الحوثيين في اليمن، مما يشكل عامل استفزاز للجانب الاسرائيلي، الذي وان قبل وجود حزب الله في لبنان وحتى في سوريا، فان من الصعب عليه قبوله باعتباره لاعباً في الاقليم الممتد من إيران الى لبنان ومن سوريا الى اليمن.

ويتصل الامر الثاني بحزب الله، واساسه سعي الحزب الى تأكيد وجوده وحضوره في الصراع العربي الاسرائيلي، وهو وجود استهلكه الحزب في السنوات الاخيرة عبر خطين في الممارسة السياسية والعسكرية، كان اولهما تكريس وجوده السياسي والعسكري في لبنان باعتباره قوة صراع على السلطة وفيها من خلال سعيه للامساك بالسلطة، ولو عبر حلفاء من طوائف وشخصيات لبنانية ممثلة بتحالف 8 آذار المعروف بارتباطه الوثيق مع نظام الاسد وإيران في مواجهة قوة لبنانية اخرى، يمثلها تحالف 14 آذار بتوجهاته اللبنانية والعربية المعروفة، وقد استخدم الحزب في هذا الصراع كل علاقاته وقواه وامكاناته بما فيها قوة مليشياته المسلحة.

والامر الثالث، يبدو في استهلاك حزب الله حضوره في الصراع مع اسرائيل من خلال تدخله المباشر العسكري والسياسي والعقائدي في الحرب، التي اطلقها نظام الاسد ضد السوريين في الاربع سنوات الماضية، حيث دفع الحزب بخيرة قواته في معارك النظام ضد معارضيه وتشكيلاتهم المسلحة، ومد تلك الحرب في لبنان ضد تجمعات اللاجئين السوريين. فيما برز الحزب بين اعتى القوى المدافعة عن نظام الاسد تحت شعارات مواجهة المؤامرة على المقاومة والدفاع عن لبنان، وحماية المقدسات الشيعية في سوريا، والتي لم تكن جميعها سوى ادعاءات لتبرير اصطفافه في خندق، يواجه طموحات السوريين الى الحرية والعدالة والمساواة وبناء نظام ديمقراطي، يستجيب لمصالح الشعب السوري.

اما العامل الرابع في العوامل السياسية لتفجير الحرب، فهو عامل اسرائيلي اساسه، تأكيد التفوق الاسرائيلي العسكري ليس مقارنة بحزب الله ولبنان، وانما على المستوى الاقليمي مقارنة بالقوى العسكرية الموجودة في الاقليم، وهو امر لا يمكن لاسرائيل ان تسمح بحصول تغييرات فيه، او الايحاء حتى بحصول مثل هذه التغييرات.

والعامل السياسي الخامس، يتعلق بالوضع السياسي الراهن في اسرائيلي، واساسه ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو راغب في رفع مستوى تأييده الشعبي في المستويين الشخصي والحزبي عشية الانتخابات الاسرائيلية القريبة، التي بينت الاستطلاعات، تقدم خصومه على الليكود بفارق ينتظر ان يتسع، مالم يحدث تطور دراماتيكي في السياسة الاسرائيلية، وهو ما يمكن ان تحققه حرب، يقودها نتنياهو وحزبه، ويكاد يكون الانتصار فيها مضموناً.

وسط تلك المجموعة من عوامل منتظرة لحرب اسرائيل على لبنان، لا يمكن تجاهل الفائدة، التي يمكن ان يجنيها نظام الاسد من تلك الحرب عبر اشعالها، وما يمكن ان يترتب عليها من نتائج من بينها اعادة خلط الاوراق في لبنان والمنطقة، وامكانية اشتغال اطراف اقليمية ودولية سواء في وقف الحرب او في معالجة فصولها ونتائجها، والتي ستأخذ في الاعتبار بصورة او بأخرى اطرافاً مباشرة وغير مباشرة في تلك الحرب ومنها نظام الاسد وإيران والجماعات المتطرفة في لبنان، وكلها ستكون حاضرة في المشهد اللبناني عندما تندلع الحرب.

ما يمكن قوله في النهاية، ان طرفي الحرب الرئيسيين، كما الاطراف الثانوية، ستعمل لان تكون مستفيدة من الحرب بصورة او بأخرى، حتى لو كانت الحرب محدودة بحيث تحقق مكاسب من حرب، سيدفع الشعب اللبناني فاتورتها الاساسية في وقت تتزايد صعوبات حياته وسط تردي اوضاع الدولة، وتدهور دورها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، كما ستترك تلك الحرب اثرها المأسوي على اللاجئين السوريين الذين يعانون ظروفاً شديدة الصعوبة، وهي تزداد تدهوراً، وستكون فاتورة الحرب عليهم اشد اثراً، ومزيد المعاناة والآلام.