ربما يكون متسرعاً الاستنتاج القائل بأن موسكو باشرت طقساً من المناكفة السريعة مع الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا.. لكن الحدث المفاجئ الذي طرأ بالأمس وتمثّل بإعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تأجيل مؤتمر جنيف من الثامن إلى أواخر شباط المقبل، لا يدلّ سوى على ذلك.
ما يُفهم من موقف لافروف هذا هو أن موسكو «ترد» أحادياً على خطوة أحادية أميركية مفاجئة بدورها تمثلت بالإعلان عن أن الرئيس دونالد ترامب أصدر أمراً تنفيذياً لوزارتي الدفاع والخارجية لدرس إقامة مناطق آمنة في سوريا.
بهذه الدرجة من التبسيط يمكن فهم الموقف الروسي. بل إن ردود الفعل السريعة من قِبَل الأمم المتحدة وموفدها الخاص ستيفان ديمستورا والتأكيد المضاد بأن موعد جنيف لا يزال كما هو من دون أي تغيير.. ذلك كله يدعم هذه القراءة ويدلّ على أن موسكو «الغاضبة» و«العاتبة» على عدم التنسيق معها في شأن طروحات المناطق الآمنة، أرادت إحداث صدمة مضادة وتأكيد محورية دورها السوري، وعدم قبولها بالانتقاص منه أو إحراجها بهذه الطريقة الفظّة من قِبَل واشنطن! قبل الأمس بقليل، كانت موسكو تعبّئ الفراغ في المرحلة الراهنة بعد مؤتمر الآستانة بالإعلان عن وضع مشروع الدستور الجديد لسوريا… وتقول، على لسان لافروف وغيره، وإن بطريقة ملتبسة، إنه سيكون البند الأول في محادثات جنيف.. ولم تصدر عنها أي إشارة إلى احتمال التأجيل، بل العكس تماماً بحيث إنها انكبت على التأكيد بأن «نجاح» مؤتمر العاصمة الكازاخستانية سيسهل أمور المؤتمر المقبل.. وأرفقت ذلك بإطلاق مساع مكثفة «لإقناع» «المعارضات» السورية بتشكيل وفد موحّد إليه!
هل يعني ذلك أي شيء، أكثر من «المناكفة» السريعة التي يمكن أن تتراجع بسهولة (وسرعة أيضاً) لمصلحة استمرار الرهان الممكن جداً، على إنضاج تفاهم مع إدارة ترامب في سوريا؟ أم أن موسكو متوجّسة أيضاً من أداء الرئيس الجديد ومفاجآته وتحاول مبكراً لجمها قبل تصاعد الموقف وذهاب الأمور إلى حيث لا تريد؟
.. والذي لا تريده موسكو بالتأكيد، هو إنكسار آمالها باحتمالات «التفاهم» مع ترامب في سوريا وفي غيرها، وذهاب هذا الأخير إلى الأخذ بـ«تحذيرات» الأوروبيين المضافة إلى تحذيرات أباطرة الاستخبارات و«البنتاغون» في واشنطن، من الثقة بالقيادة الروسية، أو الانفتاح أكثر من اللازم عليها، «بما يهدّد الأمن القومي الاستراتيجي والمصالح الكبرى» للولايات المتحدة! ولذلك ربما ترنّ موسكو الجرس بسرعة وتوتّر، وتحاول التدخّل في «نقاش» داخلي أميركي، لدعم وجهة النظر القائلة بأن البدء بمناكفة السياسة الروسية وإزعاجها (في سوريا بداية) أمر يتعارض مع مواقف ترامب الأساسية (والمستمرة) ومع المصالح الأميركية نفسها، خصوصاً في قضية «محاربة الإرهاب».. وبدء مقاربة «الموضوع الإيراني» بما يتلاءم مع ما تريده واشنطن وليس العكس!
أليس ذلك ما تفعله موسكو تحديداً منذ انتهاء معركة حلب؟!