اقتربت صياغة بيان الخروج من نفق استقالة الرئيس سعد الحريري من الصيرورة، بل دخلت مرحلة اللمسات الأخيرة، وقد تتضمن تفصيلات للأسباب الموجبة، لكن جوهرها يمكن اختصاره بكلمتين: التأكيد والالتزام بالبيان الوزاري للحكومة المستقيلة مع وقف التنفيذ.
وبمثل هذه الصيغة، أمكن تجنّب إعداد ملحق للبيان الوزاري، الذي تقرر الاكتفاء بالتأكيد على مندرجاته، وفي طليعتها النأي بالنفس لأن الملحق يتطلب ثقة نيابية جديدة، وبالتالي الخوض مجددا في المتاهات الدستورية المعقّدة، والالتزام بتنفيذ هذه المندرجات.
ويظهر ان حزب الله، أبلغ وزير الخارجية جبران باسيل الذي يلعب دور همزة الوصل بين الحزب وبين تيار المستقبل، تجاوبه مع الرئيس الحريري في ما يراه، لأن همّه تجنّب استدراجه، واستدراج الحكم الى تشكيل حكومة جديدة، ثمة من يراهن على عجزه عن تشكيلها، بفعل الضغوط المنتظرة، ضد مشاركته فيها، من حيث المبدأ أو بالتفصيل. لذلك كان خياره تسهيل الأمور، والقبول بالممكن تفاديا للمستحيل، كمطالبة السيد حسن نصرالله باصدار تعهد بالنأي بالنفس، عن صراعات المنطقة مثلا…
والقبول بالحد الأدنى، الذي تمثله الصيغة المتداولة. يلاقي موقف القوى الدولية، والجهات الاقليمية المستتبعة لها، تجنبا لامتداد الشرر المتطاير من أصقاع اليمن، غير السعيد، ومن هنا استعجال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون دعوة المجموعة الدولية الداعمة للبنان، الى الانعقاد في باريس يوم الجمعة المقبل، على مستوى وزراء الخارجية، وبحضوره وحضور الرئيس سعد الحريري. وتحديد هذا الموعد المبكر يستدعي الاستعجال في طيّ صفحة الاستقالة، إذ من غير المنطقي مشاركة لبنان في مؤتمر دولي مخصص لدعمه، برئيس حكومة مستقيل مع التريث، ومثله وزير الخارجية، لذلك كانت التحمية السياسية الفرنسية لتصحيح الوضع الحكومي، قبل جمعة المجموعة الدولية. وكان التوجه نحو اختصار المخرج ببيان التأكيد والالتزام الصادر بتصريح من رئيس الحكومة، بعد اطلاع مجلس الوزراء الذي بمجرد اجتماعه غدا أو بعده، أو بعد بعده، أي يوم الخميس، يكون وافق شنّ طبقة، وتبخّرت زوبعة الاستقالة، ويا دار ما دخلك شرّ.
لكن الشرّ قد لا يبقى طويلا خارج الدار، فمع وضع التأكيد والالتزام موضع التنفيذ، سيظهر الشيطان بالتفاصيل كالعادة، العلاقة بين الرئيس الحريري ومعظم فريق ١٤ آذار، لا بد ان تستعيد رواقها، فالماء لا يبقى على قمم الجبال، ولا الأحقاد في القلوب… لكن ثمة من سيبقى ممسكا بالمنظار، وبآلة المحاسبة، يراقب ويحاسب، اقتناعا منه بأن من اعتاد احتواء الأمور والالتفاف حول الالتزامات والمصاعب، لن يغيّر عادته بين ليلة وضحاها.
وقد تكون الظروف مساعدة على ذلك، فالمستجدات اليمنية تبرر القلق على الساحة العربية كلها، وكما التحالف العربي يرفض بقاء الشوكة الايرانية في خاصرته اليمنية، فان الايرانيين الذين أمضوا القرون الأربعة يتمدّدون باتجاه العواصم العربية، لن يتقبلوا الانحسار التدريجي، وهم في ذروة الانتشاء.
من هنا قلق الغرب على الاستقرار اللبناني، وعلى ما بعد المسّ بهذا الاستقرار، من فوضى هجرويّة عارمة…
ومثل هذا القلق، يبدّده عامل وحيد، ألا وهو عودة اللبنانيين الى لبنانيتهم والاستقالة من وظائفهم الاقليمية.