وقعت «واقعة» في دير الأحمر أوّل من أمس، تافهة، جدّاً. في الوقائع، ونقلاً عن مصدر أمني «معني»، أن النار اشتعلت في حقل قريب من خيمٍ لنازحين سوريين، وكادت أن تطاول مانعهم الوحيد عن العراء. ولسببٍ ما، تأخرت سيارة الإطفاء بعض الشيء، كما قد تتأخر أحياناً لأي سبب، سيارة أخرى، عن إطفاء حريق يهدّد حياً لبنانياً «صرفاً». النار قريبة، والمناخ القاري في سهل البقاع، يُخْرِجُ لهيباً من الأرض والسماء، بمعدل أربعين درجة. مع وصول الإطفائية، عاتب النازحون سائقها، فتلاسن معهم (يجزم المصدر الأمني أن السائق شتم النازحين واستفزّهم)، فحصلت «خناقة». مصدر آخر تحدّث عن «دهس» السيارة لخيمة ظنّ صاحبها أن أبناءه فيها. تطوّرت «الخناقة»، فرشق النازحون الغاضبون سيارة الإطفاء بالحجارة. حطّموا زجاجها الأمامي وأصابوا السائق بجروح. على الفور، قامت قوّة من الجيش اللبناني باعتقال عددٍ من المتواجدين (32 شخصاً) في المكان، وأحالتهم على الشرطة العسكرية للتحقيق. ومنذ يوم أمس بدأت تفرج عن غير المشاركين منهم، في انتظار إحالة الباقين على القضاء المختص، لاتخاذ الإجراء القانوني التقليدي لحادثة من هذا النوع. انتهى الاقتباس.
ومن وقتها، كرة نارٍ تكبر في رأس بلدية دير الأحمر وبعض الأهالي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. الأحزاب النافذة في البلدة، وأولها القوات اللبنانية التي كانت سبّاقة إلى فتح الباب للنزوح يوم كان هذا النزوح «ربّيحاً بالسياسة»، رعت كرة النار تلك، بدل السعي إلى إطفائها. لم يجد نائبها في المنطقة، انطوان حبشي، كلمة طيبة ليقولها سوى التحذير، وهو في دالاس الاميركية، من وجود أسلحة في مخيمات النازحين! لا شيء غير الحقد ينمو في النفوس. وهذا الحقد يظهر على شكل دعوات لطرد النازحين… من كل مكان تقريباً!
مهاجمو النازحين استعاروا كلّ أدوات الخوف والتخويف من الآخَر. بعضهم، يدافع عن منطق الدولة كأن سائق الإطفائية يمثّل السيادة، المنتهكة أصلاً، من لبنانيين قبل «الغرباء» يسكنون في شققٍ فخمة (وليس في العراء)، يعتدون على «الدولة» والمال العام والناس وشرطي السير وجابي الكهرباء وإشارة المرور وطبيب في المستشفى… وبعضهم الآخر، وجد فرصةً ليثبت نبوءته بالخطر الآتي من ملف النزوح (كأنه اخترع جديداً)، مع استحضار للماضي بكل آلامه وخلاصاته التاريخية السطحية. العداء الجاهل، ينتقل شيئاً فشيئاً من شيطنة اللاجئ الفلسطيني، إلى شيطنة السوري، والحاجة إلى الحرب ضدّه، مع تشبيه مقيت للحالة بين الحدثين التاريخيين. وكأن «الحرب مع الفلسطيني»، لدعاة الحرب، أدّت غرضها!
القوات التي كانت سبّاقة إلى فتح الباب للنزوح يوم كان «ربّيحاً بالسياسة»، رعت كرة النار
خطاب «التخويف» من الآخر يستمد قوته من «شبيهه»، جيش ناشطي المنظمات غير الحكومية المموّلة من الغرب، الذين اقتنصوا الفرصة أيضاً. وهؤلاء يعملون في منظومة إعلامية ومالية وسياسية متكاملة، يقودها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والموفد الخاص إلى سوريا جول ريبورن، هدفها منع النازحين السوريين، تحديداً في لبنان، من العودة إلى سوريا. كلّ هذا، يؤشّر إلى أمورٍ خطيرة، أكثر من «شاحنة دير الأحمر» المنتفخة، وإلى أن الطوائف، التي تعبّأ ليل نهار، على أهبة الاستعداد، للخناق، مع ظلّها!
حسناً، لو سار البلد، المنقسم على ذاته في ملفّ عودة النازحين (ووجود طغمة سياسية متورّطة مع الغرب في مشروع إبقاء السوريين في لبنان)، بطروحات الغاضبين وضرورة ترحيل السوريين… فوراً! فهل هذا ممكن لوجستياً؟ هل هناك ماكينة في لبنان تستطيع تنظيم رحيل مليون نازح سوري على الأقل في وقت قصير؟ وهل هناك ماكينة موازية في سوريا تستطيع استقبالهم؟ حتماً لا. فإذا، في أفضل الأحوال، الملفّ يحتاج لسنوات، ولإرادات، وإيرادات. وما هو متاح الآن، الاستمرار بخطة العودة التي ينسّقها الأمن العام اللبناني مع سوريا، والتي أعادت حتى الآن ما يزيد على 175 ألف نازح إلى بلادهم، بانتظار وضع استراتيجية وطنية.
هل هناك قرار، من أحدٍ ما، لنقل مواجهة محاولات إبقاء السوريين في لبنان من السياسة إلى الشارع؟ الجميع ينفي. والوزير جبران باسيل تحديداً، يؤكّد أن سقف التيار الوطني الحرّ سيبقى عالياً جداً أمام «المحافل الدولية» وفي الداخل، لكنّه أبداً، ثلاث مرّات، لن ينزل إلى الشارع. لكن التيار «نازل» إلى الشارع، السبت المقبل، «سلمياً»، على ما يقول مسؤولوه، «للتوعية بشأن قانون العمل»!
هل يجرّ الشارع الأحداث (ببراءة)؟ فـ«السوشيال ميديا» في عصرنا، أسرع من «الطابور الخامس» في العصور الغابرة. وهل من يحتسب النتائج؟
إذا قرّر غاضبٌ ما أو غاضبون، أن يعتدوا على نازحين وأن يردّ النازحون (وهم الطرف الضعيف هنا، بطبيعة الحال)، بالحجارة والعصي، ووقع ضحايا، من الطرفين، من يوقف الفوضى الأهليّة التي قدّ تمتّد إلى كلّ مخيم؟ من يحمل وزر شيطنة النازحين أمام اللبنانيين، وجعل صورة اللبنانيين – إعلامياً – أشبه بصورة مجموعة من «الزومبي» يلاحقون النازحين من مخيم إلى آخر؟ وعندها، من يُسكِت المنظمات الدولية عن تضخيم الأحداث والمفوضين السامين عن الإدلاء بالإملاءات؟ وما هو الثمن الذي سندفعه حينئذٍ؟