لا يختلف مشهد الإنتخابات البلدية في بلدة دير الأحمر عن غيره من المناطق لجهة اللقاءات والتحضيرات، لكنّه يَحمل في طيّاته تحديات إنمائية وأمنية وسياسية كثيرة، فيما يبقى تحدّي البقاء والتمسّك بالأرض الدافع الأول والأهم بالنسبة إلى الأهالي والأحزاب التي تعمل جاهدة لإنتاج لائحة توافقية تعكس صورة البلدة أمام المجتمع البقاعي.
مع بدء موسم الصيف، عادت الحياة لتضجّ في بلدة دير الأحمر بعودة أبنائها خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعدما تركها عدد كبير من سكانها (11150 نسمة) للعمل في بيروت والإقامة الدائمة، وقد عمل القليل منهم على نقل نفوسه أيضاً، وهو ما تجهد الكنيسة والأحزاب الفاعلة لتصحيحه وإعادة هؤلاء إلى أرضهم، حيث كان العمل خلال الدورة الماضية للمجلس البلدي إنمائياً بامتياز وفق الإمكانات المتاحة.
وبعكس انتخابات عام 2010 التي تنافست فيها لائحتان، الأولى يترأسها المهندس ميلاد عاقوري رئيس البلدية الحالي، والثانية برئاسة خليل قزح بلائحة غير مكتملة في حينها، وذلك على 18 مقعداً بلدياً ينتخب أعضاؤه 6800 ناخب ماروني، تتّجه الأمور اليوم إلى توافق شبه محسوم بعد اجتماعات متواصلة تُعقد لهذه الغاية وبلورة المرشحين من مجمل العائلات التي يزيد عددها عن أربعين عائلة، منها: قزح، حبشي، سعادة، خوري، كيروز، جعجع، رحمة، العاقوري وغيرها…
حماوة المشهد الإنتخابي والمعارك المحتملة تتبدّد مع نضوج فكرة التوافق والسعي إلى إيصال مجلس بلدي يعمل لصالح البلدة وإنمائها، إذ إنّ المشاكل التي شهدتها المنطقة عموماً مثل حادثة بتدعي ومحاولة خطف المطران سمعان عطالله، تجعل التوافق أمراً شبه ضروري، ليعكس صورة الترابط داخل البلدة ومواجهة التحديات وفق ما يقول البعض، ولتكريس مبدأ اختيار الأفضل والأنسب بصرف النظر عن الإنتماء العائلي.
راعي أبرشية بعلبك – دير الأحمر المارونية المطران حنا رحمة يؤكّد لـ»الجمهورية» أنّ هذا الإستحقاق «هو موسم خير ويُعطي الحياة الديموقراطية للبنان بإنجاز تغيير وتجديد في الأشخاص، ولإعطاء فرصة للجميع لكي يعملوا لخير بلدتهم».
ويلفت إلى أنّ «توجيهاته في البلدة كانت بوجود تكامل في المجلس البلدي بمعنى إشراك ممثلين عن مختلف الفئات الإجتماعية (مهندس، محامي، رجل أعمال، مزارع)، وأن يكون متجانساً بحيث يستطيع هؤلاء الممثلون الجلوس على الطاولة نفسها للحوار والنقاش لما فيه خير البلدة»، مؤكداً «عدم تدخّله في الأسماء والأشخاص لأنّ كل بلدة تعرف من هو الأفضل لتولّي هذه المسؤولية». وفي السياق، يشجّع رحمة على التوافق والمحبة والتشاور، «وعند غياب هذه الأمور فلتكن الديموقراطية لأنها أيضاً قيمة إجتماعية وحضارية».
غياب التنوّع الحزبي في بلدة دير الأحمر واقتصاره على حزب «القوات اللبنانية»، باستثناء بعض المنتسبين الى «التيار الوطني الحر»، يجعل المهمة أسهل في التوصّل إلى اتفاق، وهو ما يؤكده مسعود رحمة مسؤول «القوات» في المنطقة، فيقول لـ«الجمهورية» إنّ «المنطقة كلها تدور في فلك «القوات اللبنانية»، ومن يقول غير ذلك يقرأ في غير كتاب، وتحدّي «القوات» اليوم هو القدرة على إنجاز التوافق، وهذا ما تسعى إليه.
ففي بعض المناطق أُنجز التوافق في انتظار استكمال المشاورات في المناطق الأخرى، وفي حال لم ينجح التوافق، سيكون التنافس شريفاً ومن يخسر يُهنّئ الرابح».
ويلفت إلى أنّ «ما جرى خلال المرحلة الماضية هو إبراز المرشحين لبرامجهم الإنتخابية الإنمائية، بهدف الخروج من منطق الأعيان والعائلات، والدخول في برامج إنمائية كاملة».
ويُشدّد رحمة على أنّ «رؤساء البلديات أثبتوا خلال الدورة الماضية نجاحهم في العملية الإنمائية، وإن كانت تلك المجالس قد نجحت إمّا بالتوافق أو بالإنتخابات، واليوم أصبح التوافق شبه منجز في أربع مناطق من أصل تسع منضوية في اتحاد بلديات منطقة دير الأحمر (دير الأحمر، شليفا، بتدعي، بشوات، برقا، القدام، الزرازير، عيناتا، نبحا المحفارة)، والمعارك محسومة أيضاً في شليفا ونبحا.
وعن انعكاس التفاهم بين «القوات» و»التيار الوطني الحر» على الإنتخابات البلدية في المنطقة، يشير رحمة إلى أنه قبل التفاهم «كنّا دائماً نترك مقعداً للمنضوين في «التيار الوطني الحر»، فكيف الآن بالتوافق. وهذه النظرة غير موجودة في المنطقة على اعتبار أنّ الجميع عائلة واحدة».
ويشدد على أنّ «التوافق في الدير قد أنجز، ويبقى استكمال بعض «الروتوش» مثل تمثيل العائلات، فالطموحات والخطط الإنمائية كبيرة، ونحن نسعى إلى اختيار الأكفأ لإنجاح الإنماء الذي بدأت به البلديات السابقة مثل استجرار المياه من عيناتا إلى دير الأحمر والبنى التحتية الأساسية لإعادة الناس إلى أرضهم، لتتطابق مع الحملة الإنتخابية للقوات «عَمّرها».
في انتظار استكمال ملامح التوافق في بلدة دير الأحمر وبلورته في لائحة تضم مختلف الفئات والعائلات، يبقى الانتظار سيّد الموقف، وتبقى انتخابات الثامن من أيار رهن التطورات الأمنية والسياسية.