Site icon IMLebanon

تأخير التشكيل في السياسة أكثر منه في أي شيء آخر؟!  

 

ما يجمع بين لبنان وسوريا، الشعب والارض، وحدة الحياة والمصير، والدورة الاقتصادية – الاجتماعية الواحدة..

 

هذا شيء، والعلاقات السياسية وغير السياسية بين الدولتين شيء آخر، وقد دلت تجارب عديدة سابقة على ان الفصل بين السياسة ودورة الحياة أمر محتمل وممكن، على رغم التداعيات السلبية التي يمكن ان تنتج عن ذلك..

لا أحد ينكر ان العلاقة بين العديد من الافرقاء اللبنانيين والنظام في سوريا «علاقة ممتازة»، كما أن أحداً لا ينكر ان علاقة آخرين مع النظام بلغت رحلة القطيعة، لأسباب يحتفظ بها كل فريق..

لا يمكن للبنان، بفعل العامل الجغرافي ان يتصرف وكأنه جزيرة معزولة عن سائر الجوار، خصوصاً مع المحيط العربي، ابتداءً من سوريا وصولاً الى العراق والاردن وسائر دول الخليج العربي.. لكن، من اسف هي السياسة والمصالح التي راكمت نقاط التباعد، حتى باتت مسألة العودة الى تنظيم العلاقات محوراً أخلاقياً.. تماماً كما حصل في لبنان، في الايام القليلة الماضية، على رغم محاولات البعض «ضبضبة» المسألة، خصوصاً وأن لبنان يعيش أزمة متعددة العناوين والمضامين، من أبرزها أزمة تأليف الحكومة العتيدة، والتي هي الحكومة الأولى بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، في 6 ايار الماضي وأسفرت عن نتائج لم تكن في حسبان عديدين لا في الداخل اللبناني ولا في الخارج، العربي والاقليمي والدولي.

المشكلة لا يمكن ان تحل عن طريق الاكراه، او بمنطق المنتصر والمهزوم، وهي تحتاج الى مزيد من الوقت، على رغم وجود عناوين ضاغطة، من مثل مسألة النازحين السوريين في لبنان، تحتم اجراء اتصالات وقد أوجد لها مخرج نال موافقة الجميع، بتكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم رسمياً متابعة هذه المسألة، التي هي بنظر البعض بالغة الخطورة في الواقع اللبناني، وتزداد خطورتها مع التعبئة اليومية، شبه العنصرية، ضد هؤلاء الذين نزحوا تحت وطأة الحرب الدائرة على الارض السورية منذ سنوات..

يبني البعض على هذه المهمة ويعطيها أبعاداً سياسية – دولية، في حين يؤكد اللواء ابراهيم وفي أكثر من مناسبة ان «هذه المهمة محددة بالعمل على اعادة النازحين الى سوريا من خلال التنسيق مع السلطات السورية المعنية والمنظمات الدولية الموجودة في لبنان تسهيلاً لعملية العودة الطوعية الى ديارهم..» لافتاً الى «ان هذه العودة لا يمكن ان تتم من دون التواصل مع الدولة السورية والسلطات المعنية هناك، وهو أمر لم يعد سراً، وهو جاء على قدم وساق، وبشكل شبه يومي..».

لا يخفي اللواء ابراهيم تواصله مع جميع الاحزاب.. لافتاً، ومن دون أي تكتم او افشاء للاسرار، «ان الحكومة لا تريد ان تتواصل مع السلطات السورية المعنية بهذا الملف، لأسباب سياسية.. لذا حاول كل حزب ان يملأ الفراغ على طريقته..» من دون ان يتحول المأزق السياسي الى مأزق أمني.. ويعزو اللواء ابراهيم الى قرار الحكومة اللبنانية السابقة (المستقيلة)، كما والتي يعمل على تشكيلها، والتي هي «حكومة وحدة وطنية بالمعنى الحقيقي للكلمة.. وبرأيه أنه عندما ينخرط كل الاطراف الفاعلين في الحياة السياسية يتوفر الاستقرار، حيث الاستقرار الأمني وجه من وجوه الاستقرار السياسي..»:

الأولوية حاضراً هي لتشكيل «حكومة الوحدة الوطنية» ومن غير المفيد، في نظر عديدين (هم الغالبية) وضع المزيد من العصي في دواليبها ومراكمة العثرات والشروط والشروط المضادة في طريقها، خصوصاً وأن هذا «الشغور» بات موضع قلق لدى العديد من الدول الصديقة للبنان.. والجميع يسأل عن سر هذه العرقلة المقصودة، عن سابق تصور وتصميم، وتحديداً بعد «اتفاق الطائف» الذي لم ينفذ بكامله بعد؟؟ وقد نص الاتفاق على ان تشكيل الحكومة – بعد الطائف – هو مهمة يتولاها اثنان فقط (رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية».. وقد مشى الرؤساء المكلفون منذ تعديل الدستور عام 1990، وفقاً لأحكام الطائف، ولغاية اتفاق الدوحة، على هذه القاعدة، بعد التشاور مع الكتل النيابية والنواب، حول تشكيل الحكومة العتيدة، وبعد التعرف على توجهاتهم، وعند الاقتضاء على استعدادهم للاشتراك في الحكومة، يعقد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اجتماعا او أكثر مع رئيس الجمهورية للتداول وغربلة الاسماء، وعند التوافق يصدر مرسوم تشكيل الحكومة..».

في رأي عديدين من الخبراء، ان «اشراك الكتل النيابية، بعد اتفاق الدوحة، في عملية تأليف الحكومة أدى الى التأخير الذي شهده اللبنانيون، في تأليف العديد من الحكومات السابقة.. فمتى «كثر الطباخون شاطت الطبخة» وتعددت المطالبة بالحصص وتنوعت الوزارات بين سيادية ورئيسية وخدماتية، وازدادت  التعقيدات.. التي من الصعب ايجاد مخرج لها من دون التوافق، او من دون العودة عن الصيغ التي اعتمدت منذ الطائف..

ليس من شك في ان كثيرين يتساءلون حول السبب في تأخير تشكيل الحكومة، وهل هو دستوري أم سياسي ام ميثاقي؟! وفي رأي عديدين ان التشكيل هو عمل سياسي بامتياز، يخضع في شكلياته الى آليات دستورية معنية، ولكنه يبقى مسألة موازين قوى سياسية تصل الى حد المحاصصة، لاسيما وأن النظام في لبنان لا يقوم على قاعدة أكثرية تحكم داخلية تعارض، وذلك بسبب تركيبته المعقدة ما بعد الطائف، حيث باتت الحكومات «حكومات وحدة وطنية» ما يجعل مهمته التشكيل أكثر صعوبة.. فالتأخير اذا هو في السياسة كما هو حاصل اليوم أكثر منه في أي شيء آخر..