على أهمية الحراك الإقليمي والدولي الحاصل حول الملف اللبناني، فهو لا يزال يدور ضمن دائرة الحذر والشكوك حيال مدى نجاحه في كسر جليد الازمة الرئاسية من جهة وتفعيل الحوار الداخلي الرامي إلى حماية الاستقرار وإبعاد كأس الانفجار الطائفي من جهة أخرى.
يكتنف حركة الموفدين الدوليين غموض لجهة تلمس مدى فاعليته في إنضاج تسوية داخلية تفضي إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد بعد انقضاء سبعة أشهر على الشغور في موقع الرئاسة الاولى. لكن ما يبدو ثابتاً وأكيداً في نظر مصادر سياسية مطلعة هو حقيقتان:
– الاولى أن الحراك جدي ويهدف إلى ايجاد مساحة من التفاهم الاقليمي والدولي على رزمة من الملفات تعني المنطقة، ولا سيما منها سوريا ولبنان، في إطار مفاوضات البيع والشراء الجارية، إن على معادلة الحكم في سوريا بين النظام والمعارضة، أو في لبنان انطلاقاً من المحورين السني والشيعي، ومسعى الغرب لحماية موقع الرئاسة المسيحية.
– اما الحقيقة الثانية، فتتمثل في الدفع الحاصل على محوري المملكة العربية السعودية وإيران في اتجاه حلفائهما في لبنان، ومن ورائهما الولايات المتحدة مع الغرب وروسيا، تمهيداً لإنضاج تسوية تثمر رزمة متكاملة تشمل الرئاسة وما بعدها.
وإذا كانت الرياض التي تقود الحركة في اتجاه الحلفاء قد استقبلت رئيس حزب “القوات اللبنانية” “سمير جعجع للتشاور في الملف الرئاسي، وكذلك فعل الرئيس سعد الحريري الذي استدعى عدداً من أركان “المستقبل” و14 آذار للتشاور، فإن طهران تنتظر خلال الاسبوع المقبل زيارة هي الخامسة للموفد الديبلوماسي الفرنسي فرنسوا جيرو، فيما يزور رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني بيروت الاثنين المقبل حيث ينتظر ان يكون له لقاءات مع رئيس المجلس نبيه بري ومع الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، فيما لم يفصح بعد عن أهداف الزيارة، لكن المصادر السياسية كشفت أنه سيتناول ملفي الرئاسة والحوار بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”.
وإذا كان كلام السفير البابوي المونسينيور غبريالي كاتشيا عن ان الاجواء المحلية والاقليمية والدولية باتت مهيأة لانتخاب رئيس، فإن حركة الموفدين الدوليين ليست بعيدة من هذا الانطباع. إلا أن المصادر لا تزال تتحفظ عن التفاؤل في شأن التوقعات المحيطة بتاريخ إنجاز الاستحقاق، مشيرة إلى أن هذا الامر لا يزال يحتاج الى المزيد من الوقت، ولكن المهم أنه تحرك بعد 7 أشهر من الجمود. ولم تستبعد أن تحمل الاشهر الاولى من السنة المقبلة بعض المفاجآت التي من شأنها أن تخرق مشهد الجمود الحاصل.
لكن المصادر لا تخفي أن ترجمة التوافق على الاستحقاق الرئاسي لا بد أن يسبقها أولا تقدم الحوار المزمع عقده بين “المستقبل” و”حزب الله”، لأن أهمية هذا الحوار لا تكمن فقط في إعادة الحرارة والتواصل إلى العلاقة المقطوعة بين الفريقين، وإنما لأن حصوله يضع المدماك الاول في التواصل الايراني – السعودي، وتقدمه يعكس تقاربا بينهما. ومعلوم أن هذا الحوار ليس حواراً مستقبلياً مع “حزب الله”، بقدر ما هو في رأي المصادر حوار بين 14 و8 آذار، وعملياً بين الرياض وطهران. وأي تقدم يتحقق سينعكس حكما على الاستحقاق الرئاسي.
ولفتت المصادر إلى أهمية انطلاق الحوار الداخلي، ليس فقط على الجبهة الاسلامية وإنما على الجبهة المسيحية، وتحديداً بين جعجع ورئيس “التيار الوطني الحر”، من أجل التفاهم على المرحلة المقبلة والرئيس المقبل. وذكرت بالكلام المكرر للسفير الاميركي ديفيد هيل على ضرورة “ان يكون خيار انتخاب الرئيس للبنانيين”، مشيراً الى ان “لا سبب لتأخير عملية الانتخاب التي تؤثر على استقرار البلاد”.
والمفارقة أن كلام هيل تزامن مع صدور تقويم صندوق النقد الدولي ضمن مهمة بعثة المادة الرابعة، بعدما دعا لبنان إلى “عمل سياسي فوري ومتماسك وغير حزبي لضمان مستقبل البلاد الاقتصادي”، محذراً من “أن التريث في انتظار ظروف خارجية وداخلية ملائمة أكثر، لا يشكّل استراتيجياً قابلة للحياة، إذ إن تكاليف التقاعس عن العمل تتصاعد”. وهذه المرة الاولى يستعيد صندوق النقد لهجته التحذيرية بعد اعوام من التفهم وغض الطرف نتيجة للواقع السياسي في البلاد .
والواقع أن تلهّي اللبنانيين بأزماتهم السياسية والامنية أغفلت الاهتمام بالشأن الاقتصادي والمالي الذي بدا يتأثر بالتداعيات السلبية والخطيرة لتلك الازمات وما يتصل بها مباشرة من ارتدادات لأزمة اللاجئين السوريين.
ولعل قرار مؤسسة التصنيف الدولية “موديز” خفض تصنيفها الائتماني للبنان وخفض توقعاتها إلى سلبي يدفع السلطة السياسية والقيمين على الشأن الاقتصادي والمالي فيها إلى التنبه للمخاطر المحدقة بالبلاد من جراء التلكؤ عن إيلاء هذا الشأن الاولوية التي يحتاج اليها.